Minggu, 03 Februari 2013

في اثبات ردة الشرطة و الحكام


رسالة
في اثبات  ردة الشرطة  و الحكام
الشيخ ابو دجانة الشا مي
الحمد لله قاهر الجبابرة وكاسر الأكاسرة وقاصم ظهور القياصرة والصلاة والسلام على من جعل رزقه تحت ظل رمحه وبعد
هذه رسالة صغيرة في الحجم كبيرة عند التعامل معها وهي ليست من بنيات أفكاري وليست من جعبتي ولكني إقتنصت أقوال أهل العلم والمجاهدين عندما طُلب مني ذلك لتكون سهلة للتدريس المنهجي العملي.
ولأن كثيرا من الناس قد غرتهم الفتاوى المعلبة الجاهزة من فقهاء التسول الذين باعوا دينهم بدنياهم واختاروا منهج السلامة على سلامة المنهاج, فسخروا أقلامهم للدفاع عن الحكام الطواغيت وعن مخابراتهم وشرطتهم , فقد خلعوا جلباب الحياء وأعلنوها أنهم أنصار الحكام , ولم يكتفوا بهذا الزلل العظيم بل كان عدوهم الأول هم المجاهدون الذين يدافعون عن دين الله فهم الذين تسامت نفوسهم وعلت هممهم وصفت سرائرهم الذين يفزعون لتأمن الأمة ويجوعون لتشبع الأمة ويسهرون لتنام الأمة , فبدلا من جعلهم قدوة جعلهم علماء السوء قتلة ولم يعذروهم بدليل أو بشبهة دليل. أما الحكام والشرطة فقد أوجدوا لهم الأعذار والأعذار فهم مستضعفون ويطلبون الرزق ويطيعون ولي الأمر. ولكن الله سخر لهذه الأمة علمائها الربانيين يقولون الحق لا يخافون في الله لومة لائم شعارهم اننا إذا قلنا الحق سوف نموت وإذا لم نقل الحق سوف نموت فالنقل الحق ونموت. سنقول الحق حتى لو نهشت أنياب السباع لحومنا.... أو تخطفت مخالب الطير رؤوسنا.. سنعيش من أجل الله ونموت من أجل نصرة دين الله.
فكانت هذه الرسالة تحمل في طياتها البحث عن الحكام والشرطة هل هم من المسلمين أم من الطواغيت؟؟ وهل لهم عذر شرعي في الدخول معهم وتحت لوائهم والقتال معهم؟؟؟
والله أسأل أن يكتب هذه الرسالة في ميزان حسناتي وأن يجزي العلماء الخير كله فهم الذين وضحوا لنا منهاج الولاء والبراء والكفر بالطاغوت.
أخوكم الفقير الى رحمة ربه
أبو دجــانـــة الشامي
********************
تعريف الطاغوت
قال العلامة الفيروز أبادي - رحمه الله - (القاموس. مادة:طغا):
"والطاغوت: اللات, والعزى, والكاهن, والشيطان,وكل رأس ضلال, والأصنام, 
وماعبد من دون الله ومردة أهل الكتاب"انتتهى
الطاغوت كما عرفه الإمام ابن قيِّم الجوزيَّة في "أعلامِ المُوقِعين عن ربِّ العالمين" حيثُ قال: (والطَّاغوت: كُلُّ ما تَجاوزَ به العبدُ حدَّه مِن مَعبودٍ أو مَتبوعٍ أو مُطاعٍ، فطاغوتُ كلِّ قومٍ من يَتحاكَمُون إليه غيرَ الله ورسولِه، أو يعبدونَه من دُونِ الله، أو يتَّبعُونَه على غيرِ بَصيرةٍ من الله، أو يُطيعُونَه فيما لا يَعلمون أنَّه طاعةٌ لله، فهذه طواغيتُ العالم، إذا تأمَّلتها وتأمَّلت أحوالَ النَّاس مَعها رأيتَ أكثَرَهم عَدَلوا عن عبادةِ الله إلى عبادةِ الطَّاغوت، وعن التَّحاكُم إلى اللهِ وإلى الرسولِ إلى التَّحاكم إلى الطَّاغوتِ، وعن طاعتِه ومُتابعةِ رسولِه إلى الطَّاغوت ومُتابَعتِه) أهـ
وقال الجوهري: ( والطَّاغوتُ الكاهنُ والشيطانُ وكلُّ رأسٍ في الضَّلال، وقد يكونُ واحداً، قال الله تعالى: {يُريدُون أَنْ يَتحاكَمُوا إلى الطَّاغوتِ وقد أُمِرُوا أنْ يَكفُروا به} (النِّساء: 60)، وقد يكونُ جَمعاً، قال الله تعالى: {أوليَاؤُهُم الطَّاغوت} (البَقرة: 257)، والجَمعُ الطَّواغيت)
وقال أميرُ المؤمنين عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه: (إنَّ الجِبتَ السِّحر، والطَّاغوت الشيطان)
و قال الإمامُ ابنُ كثيرٍ رحمه الله تعالى: (ومعنى قوله في الطَّاغوت: إنَّه الشيطان قويٌّ جدَّاً فإنَّه يَشملُ كلَّ شَرٍ كان عليه أهلُ الجاهليَّةِ مِن عبادةِ الأوثانِ والتَّحاكُم إليها، والإستنصار بها)
وفي "فتحِ المجيدِ شرحِ كتابِ التوحيدِ" للشَّيخِ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ قال: (وقال جابر رضي الله عنه: الطَّاغوتُ كُهّانٌ كانت تَنَزَّلُ عليهم الشياطين، رواهُما ابن أبي حاتم، وقال: الطَّاغوتُ كلُّ ما عُبدَ من دون الله) أهـ.

وأصلُ الطَّاغوتِ الشيطانِ كما قال أميرُ المُؤمنينَ عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه ويتفرَّعُ عنه كلُّ رأسٍ في الضَّلالِ من الكُهَّانِ والسَّحرةِ والذي يَحكُم بغيرِ ما أنزَلَ الله أو يَتحَاكم النَّاسُ إليه بغيرِ حٌكمِ اللهِ ورسولِه أو يُعبدُ من دون اللهِ أو يُتَّبعُ على غيرِ بَصيرةٍ من اللهِ أو يُطاعُ في مَعصيةِ الله ذلكَ أنَّ الطَّاغوتَ: مُشتقٌ من الطُغيانِ وقيلَ: أصلُ طَاغوت في اللُغةِ مأخوذةٌ مِن الطُغيانِ يُؤدِّي مَعناه من غيرِ اشتقاقٍ، والطُغيانُ هو مُجاوزةُ الحدّ. فكلُّ مَن تَجاوزَ حدَّه من مَعبودٍ أو مَتبوعٍ أو مُطاعٍ فهو طاغوتٌ، وهذا هو حقِيقَته.
قلت ( فكل حاكم لا يحكم بما أنزل الله هو طاغوت وكل دولة وكل تنظيم وكل مؤسسة وكل منظمة وكل شخص يتخذ الديمقراطية أو العلمانية منهاج حكم فهو بهذا الأمر يكون طاغوتا يجب الكفر به ومعاداته وبغضه وقتاله )إنتهى

وقد أمرَ اللهُ بالكُفر بالطَّاغوت وجَعَلَه شَرطَاً في ِصحَّة الإيمانِ والتَّوحيدِ، فقال تعالى: {فَمَن يَكفُر بالطَّاغوتِ ويُؤمنْ باللهِ فقدِ استَمسَكَ بالعُروةِ الوُثقى لا انفِصَامَ لها واللهُ سميعٌ عليمٌ} (البقرة: 256).

وقال تعالى: {ألم تَرَ إلى الذين يَزعُمونَ أنَّهم آمنوا بِما أنُزِلَ إليكَ وما أنُزلَ مِن قبلِكَ يُريدون أنْ يَتحاكَموا إلى الطَّاغوتِ وقد أُمِرُوا أنْ يَكفُرُوا به ويُريدُ الشيطانُ أنْ يُضلَّهم ضَلالاً بعِيداً} (النِّساء: 60).

كَمَا أمَرَ اللهُ سُبحانَه وتعالى عِبَادَه المُؤمنينَ باجتنابِ الطَّاغوتِ، فقال تعالى: {ولقدْ بَعثنَا في كلِّ أُمَّةٍ رَسولاً أنْ اعبُدُوا اللهَ واجتَنِبُوا الطَّاغوت} (النَّحل: 36)، وقال تعالى: {والذين اجتَنَبُوا الطَّاغوتَ أنْ يَعبُدُوها وأنَابُوا إلى اللهِ لهُمُ البُشرى فبَشِّر عِبَاد * الذينَ يَستمِعُونَ القولَ فيتَّبِعُونَ أحْسَنَه أُولئكَ الذينَ هَدَاهُم اللهُ وأولئكَ هُم أُولوا الألباب} (الزُمُر: 17 - 18).
هل الحكام طواغيت كفرة ؟؟
فنحن نعتبر الحكام الذين يحتكمون الى غير شريعة الله والذين يحتكمون الى المحاكم الدولية الطاغوتية هم كفار ومرتدين وقد خرجوا من دائرة الإسلام الى دائرة الكفر بأكثر من سبعين وجه. فهم يكفرون من باب محاربة أولياء الله ومظاهرة المشركين ونصرتهم عليهم؛ قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَداً أَبَداً وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} [الحشر: 11]، فتأمل كيف كفّر الله من وعد المشركين ولو وعدا كاذبا بنصرتهم على المسلمين، وجعله من إخوان المشركين، فكيف بمن عقد معهم اتفاقيّات النصرة والمظاهرة على الموحدين وظاهرهم عليهم فعلاً بالمعلومات الأمنية وبالمال والتدريب والسلاح وبالملاحقة والقتل أو الحبس والمحاكمة والتسليم؟
ويكفرون من باب الامتناع عن الشرائع كالحكم بما أنزل الله وتعطيل الفرائض وتحريم الواجبات الشرعية كجهاد الكفار واستحلال الحرام بالترخيص له وحمايته وحراسته والتواطؤ والاصطلاح عليه. فهم يبدلون أحكام الله الشرعية بأحكام البشر الكفرية, فمثلا إذا سرق أحدهم أو زنى فإنهم لا يطبقون حكم الله عليه ولكن يطبقون حكم البشر وهم لا يكتفون بهذا الأمر بل يسنون قانونا كفريا ويلزمون الناس به ومن يخالفهم يعتقل ويعذب وقد يقتل.
ويكفرون من باب أخوَّتهم للكفار الشرقيين والغربيين وموادتهم ومحبتهم لهم؛ قال تعالى: {لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [المجادلة، من الآية: 22]، وهذا ليس من التكفير ببواطن الأمور وأعمال القلوب، بل بالأعمال والأقوال الظاهرة الصريحة، إذ أنهم يفاخرون بهذه الأخوة والمودّة ويصرّحون بها ويظهرونها في كل محفل ووسائل إعلامهم طافحة بها.
ويكفرون من باب الاستهزاء بدين الله والترخيص للمستهزئين وحمايتهم وسن القوانين التشريعية التي ترخّص لهم وتسهل لهم ذلك سواء عبر الصحافة أو الإذاعة المرئية منها والمسموعة أو غير ذلك قال تعالى: {... قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ... } [التوبة: 65 – 66].
فنحن كما نكفر بهؤلاء الطواغيت ونتقرب إلى الله ونلتمس رضاه ببغضهم وعداوتهم وجهادهم فكذلك نبرأ من أديانهم الشركية وقوانينهم الوضعية ومواثيقهم الباطلة المناقضة لشرائع الإسلام بتحريمها للجهاد ومؤاخاتها بل عمالتها ونزولها تحت ولاية الكفار المحاربين للإسلام والمسلمين؛ فهي طواغيت وشرائع مناقضة لشرع الله قائمة على مبادىء الأخوة بينهم بل مستندة إلى علاقة الموالاة والعمالة والخيانة والتبعية التي تجمع الأقزام بأسيادهم.
لا أريد أن أطيل في بحث ردة الحكام فهذا أصبح من المعلوم بداهة عند أقل طالب علم . ولكن السؤال ما حكم من أعانهم وكان في جيشهم وشرطتهم؟؟؟
بيان جريمة أنصار الطواغيت :

(اعلـم أنـه لا يمكن لكـافـر أن يفسـد في الأرض أو أن يظـلم أُمـة من النـاس إلا بأعـوان يعينـونه على ظلمـه وإفساده ويمنعونه ممن يريد أن يقتص منه، فلا بقاء للكافر وإفساده إلا بأعوانه وأنصاره، ومن هنا قال تعالى (ولاتركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار) هود 113، وقال العلماء: الركون هو الميل اليسير، وقال ابن تيمية رحمه الله (وكذلك الأثر المروي: «إذا كان يوم القيامة قيل: أين الظلمة وأعوانهم؟ ــ أو قال: وأشباههم ــ فيُجمعون في توابيت من نار ثم يقذف بهم في النار». وقد قال غير واحد من السلف: أعوان الظلمة من أعانهم، ولو أنهم لاق لهم دواة أو برى لهم قلماً، ومنهم من كان يقول: بل من يغسل ثيابهم من أعوانهم. وأعوانهم: هم من أزواجهم المذكورين في الآية، فإن المعين على البر والتقوى من أهل ذلك، والمعين على الإِثم والعدوان من أهل ذلك. قال تعالى: (من يشفـع شفاعـة حسـنة يكن له نصيب منها، ومن يشفع شفاعة سيئة يكن له كفل منها) والشافع الذي يعين غيره، فيصير معه شفعا بعد أن كان وتراً، ولهذا فسّرت «الشفاعة الحسنة» بإعانة المؤمنين على الجهاد، و«الشفاعة السيئة» بإعانة الكفار على قتال المؤمنين، كما ذكر ذلك ابن جرير، وأبو سليمان.) (مجموع الفتاوى) 7/64.
فلا بقـاء للحاكـم الكافـر ولابقـاء لأحكـام الكـفر ومايترتب عليها من الفسـاد العظيـم في بلاد المسلمين إلا بأنصار هؤلاء الحكام الطواغيت، سواء في ذلك أنصاره بالقول الذين يُضلون الناس ويلبسون عليهم، أو أنصاره بالفعل الذين يحمون الحكام والقوانين ويمنعونهم ممن يريد القصاص منهم وينصرونهم عليه، ولذلك فلا عجـب من أن يصـف الله تعالى جنـود الحاكم الكافر بالأوتاد، لأنهم هم الذين يثبتون مُلكه وحكمه، وهم سبب بقاء الكفر، وذلك في قوله تعالى (وفرعون ذي الأوتاد) الفجر 10، قال ابن جرير الطبري رحمه الله في تفسير هذه الآية (يقول جل ثناؤه: ألم تر كيف فعل ربك أيضا بفرعون صاحب الأوتاد، واختلف أهل التأويل في معنى قوله «ذي الأوتاد» ولِمَ قيل له ذلك؟ فقال بعضهم: معنى ذلك: ذي الجنود الذين يُقَوُّون له أمره، وقالوا: الأوتاد في هذا الموضع الجنود) (تفسير الطبري) 30/ 179.
وهذا كله في بيان جريمـة أنصـار الطواغيـت وأنهم هم السـبب الحقيقي لدوام الكفر والفساد، فلا يمكن لكافر أن يُفسد أمة ويظلمها إلا بأعوان ينصرونه، وإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال (أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين) فكيف بمن يعينهم على كفرهم؟ وكيف بمن يعينهم على إيذاء المسلمين وقتالهم؟.
ومن الناحيــة الواقعيــة فإن معركــة المسلمين مع الحكام الطواغيت لأجل خلعهم ونصب حاكم مسلم هى في الحقيقة معركة مع أنصارهم من الجنود وغيرهم، ولهذا وجب معرفة حكم أنصار الطواغيت، وهو موضوع بحثنا هنا.)
الأدلة على كفر أعوان الطواغيت وأنصارهم
؛ أولاً من القرآن الكريم
قوله تعالى: {فَمَنْ يَكفرْ بالطَّاغوتِ ويُؤمنْ باللهِ فقدِ استمسَكَ بالعُروةِ الوُثقى... الآية}، (البقرة: 256)، فَجَعلَ اللهُ شرطَ صِحَّةِ الإيمانِ الكُفرُ بالطَّاغوت، فَمَنْ لم يَكفُرْ بالطَّاغوتِ لم يَصحُ له عَقدُ الإسلامِ إلاّ بالكُفرِ بالطَّاغوتِ، والمُناصرُ والمُعاونُ للطَّواغيتِ لم يَكفرْ بِمَا أمَرَه اللهُ به مِنْ الكُفرِ بالطاغوتِ، فيكونُ بإيمانِهِ بالطَّاغوتِ كافراً بالله.

2) قوله تعالى: {اللهُ وَليُّ الذينَ آمنوا يُخرجُهُم مِنَ الظُلُماتِ إلى النُّورِ والذينَ كفروا أولياؤُهُم الطَّاغوتُ يُخرجُونَهم مِنَ النُّورِ إلى الظُلُماتِ أولئكَ أصحابُ النَّار هُم فيها خالدون} (البقرة: 257)، فَبيَّنَ اللهُ سبحانَه وتعالى أنَّ الذينَ كفروا هُم أولياءُ الطَّاغوتِ أي أحبابُهُ وأنصارُهُ وأعوانُهُ، فَيتَبيَّنُ مِنْ ذلكَ أنَّ مَنْ ناصرَهُم أو عاونَهُم فَهوَ كافرٌ مثلُهُم.

3) قوله تعالى: {بَشِّرِ المُنافقينَ بأنَّ لهم عذاباً أليماً * الذينَ يَتَّخِذُونَ الكافرينَ أولياءَ مِنْ دُونِ المُؤمنينَ أيَبتَغُونَ عندَهُمُ العِزَّةَ فإنَّ العِزَّةَ للهِ جَميعاً} (النِّساء: 138 - 139)، فَمِنْ صِفاتِ المُنافقينَ أنَّهم يُوالُونَ الكُفَّارَ مِنْ دُونِ المُؤمنينَ، وأنصارُ الطَّاغوتِ وأعوانِهِ مِنْ أولياءِ الطَّاغوتِ كَمَا هُوَ مَعلومٌ، فَيتبيَّنُ مِنْ ذلكَ أنَّ أنصارَ الطَّواغيتِ وأعوانِهِم كالمُنافِقينَ فَهُمْ في الكُفرِ سواء.

4) قوله تعالى: {لا يَتَّخِذِ المُؤمنونَ الكافرينَ أولياءَ مِنْ دُونِ المُؤمنينَ ومَنْ يفعلْ ذلكَ فليسَ مِنَ اللهِ في شيءٍ إلاّ أنْ تَتَّقوا مِنهم تُقاةً ويُحذِّرُكُم اللهُ نَفسَه وإلى اللهِ المَصيرُ} (آل عمران: 28).

وهذِهِ الآيةُ تَدلُ على كُفرِ أنصارِ الطَّاغوتِ وأعوانِهِ مِنْ قولِهِ تعالى: {فليسَ مِنَ اللهِ في شيءٍ} (يَعني فقد بَريءَ مِنَ الله، وبَريءَ اللهُ مِنه، بارتِدادِهِ عن دينِهِ ودُخُولِهِ في الكُفر) 

وفي سَببِ نُزولِ هذهِ الآيةِ قالَ شيخُ الإسلامِ في "مِنهاجِ السُنَّةِ النَّبويَّة (وعنْ مُقاتلِ بن حيَّان ومُقاتل بن سليمان أنَّها نَزلت في حاطبِ بن أبي بَلتَعَة وغيرِهِ، كانوا يُظهِرون المودَّةَ لكفَّارِ مكَّة، فنَهَاهم اللهُ عن ذلكَ) أهـ.

5) قوله تعالى: {يا أيُّها الذينَ آمنوا لا تََتَّخِذوا اليَهودَ والنَّصارى أولياءَ بعضُهُم أولياءُ بعضٍ ومَنْ يَتولَّهم مِنكم فإنَّه مِنهم إنَّ اللهَ لا يَهدي القومَ الظالمينَ} (المائدة: 51)
ومَوضعُ الإستدلالِ مِنْ هذِهِ الآيةِ أنَّ الحُكَّامَ الطَّواغيتَ قدْ وَالوا اليَهود والنَّصارى فَهُم كُفَّار مِثلُهُم لقولِهِ تعالى: {ومَنْ يَتولَّهم مِنكم فإنَّه مِنهم}، ومَنْ وَالََى مَنْ تَولَّى اليَهود والنَّصارى كانَ دَاخلاً في ذلكَ التَّولِّي فَهوَ مِنهم أيضاً، فيُعلَمُ مِنْ ذلكَ أنَّ أعوانَ الطَّواغيتِ وأنصارِهِم كُفَّارٌ لكونِهم تَولَّوا الطَّواغيتَ فهُم دَاخِلونَ جميعاً في عُمومِ قولِهِ تعالى: {ومَنْ يَتوَلَّهم مِنكم فإنَّه مِنهم }.

وقالَ الإمامُ ابنُ جريرٍ رحِمه اللهُ تعالى في تَفسِيره  (ومَنْ يَتولَّ اليَهود والنَّصارى دُونِ المُؤمنينَ فإنَّه منهم، يقولُ: فإنَّ مَنْ تَولاّهُم ونصرَهُم على المُؤمنينَ فَهوَ مِنْ أهلِ دينِهم ومِلَّتِهم، فإنَّه لا يَتولَّى مُتولٍّ أحَداً إلاّ وهَوَ به وبدينِه ومَا هُوَ عليهِ راضٍ، وإذا رَضيَه ورَضيَ دينَه فقد عادَى مَا خالفَه وسخِطه وصارَ حُكمُهُ حُكْمَه) أهـ.

6) قولُهُ تعالى: {يا أيُّها الذينَ آمنوا لا تَتََّخِذُوا الذينَ اتَّخَذُوا دينَكم هُزُواً ولَعِباً مِنَ الذينَ أُوتُوا الكِتَابَ مِنْ قِبلِكم والكفَّارَ أولياءَ واتَّقُوا اللهَ إنْ كُنتُم مُؤمنينَ } (المائدة: 57). فَدلَّت هذِهِ الآيةُ أنَّ اتَّخاذَ الذينَ اتَّخَذُوا دينَ الإسلامِ هُزُواً ولَعِباً أولياءَ كُفرٌ بالله، والطَّواغيتُ مِنْ أكثرِ النَّاسِ هُزُواً ولَعِباً بدينِ اللهِ، فَمَعنى ذلكَ أنَّ أنصارَ الطَّواغيتِ وأعوانِهم كُفَّارٌ مِثلَهم . 

قالَ الشيخُ عبد اللطيفِ بنُ عبد الرحمنِ آل الشيخ رحِمه اللهُ تعالى: (فتَأمَّلْ قوله تعالى: {واتَّقُوا اللهَ إنْ كُنتُم مُؤمنينَ} فإنَّ هذا الحرفَ - وهو "إنَّ" الشَرطيَّة - تَقتَضي نفيَ شرطِها إذا انتفَى جوابُها , ومَعناه: أنَّ مَنْ اتَّخَذهم أولياءَ فليسَ بمُؤمنٍ).

7) قولُهُ تعالى: {ولو كانوا يُؤمنونَ باللهِ والنَّبيِّ وما أُنزِلَ إليهِ مَا اتَّخَذُوهُم أولياءَ ولكنَّ كثيراً مِنهم فاسقونَ } (المائدة: 81).

قالَ شيخُ الإسلامِ في "مجموعِ الفتاوى": (فَذَكَرَ جُملةًًً شَرطيَّةًً تَقتَضي أنَّّه إذا وُجدَ الشَّرطُ وُجدَ المَشرُوطُ بحرفِ "لو" الَّتي تَقتَضي مَعَ انتفاءِ الشَّرطِ انتفاءِ المَشروطِ، فقالَ: {ولو كانوا يُؤمنونَ باللهِ والنَّبيِّ ومَا أُنزلَ إليهِ مَا اتَّخَذُوهم أولياءَ} فَدلَّ على أنَّ الإيمانَ المَذكُورَ ينفي اتِّخاذَهم أولياءَ ويُضادَّه، ولا يَجتمعُ الإيمانُ واتِّخاذُهُم أولياءَ في القلبِ) أهـ. 

ومَوضعُ الإستِدلالِ مِنْ هذهِ الآيةِ أنَّ أنصارَ الطَّواغيتِ وأعوانِهِم لو كانوا يُؤمنونَ باللهِ والنَّبيِّ والقرآنِ ما اتَّخذُوا الطَّواغيتَ أولياءَ، فاتِّخاذُهُم للطَّواغيتِ أولياءَ مِنْ دُونِ المُؤمنينَ يَنفي عنهُمُ الإيمانَ إذ لا يَجتمعُ الإيمانُ واتِّخاذُ الطَّواغيتِ أولياءِ في قلبِ مُؤمنٍ.
8 )قولُهُ تعالى: {والذينَ كََفرُوا بعضُهُم أولياءُ بعضٍ إلاَّ تفعَلُوهُ تَكُنْ فِتنةٌ في الأرضِ وفسادٌ كبيرٌ} (الأنفال: 73)، وهذِهِ الآيةُ مِنْ أصرحِ الأدلَّةِ على أنَّ المُتَّخِذينَ للكُفَّارِ أولياءَ أنَّهم مِنهم وهُم مِثلُهم في الكُفرِ سواءً بسواءٍ ولذلكَ قالَ: {بَعضُهم أولياءُ بعضٍ}، فأنصارُ الطَّاغوتِ وأعوانِهِ مَا دامُوا يُوالونَ الطَّواغيتَ فَهُم مِثلُهم في الكُفرِ، حيثُ جَعلَ اللهُ الكُفَّارَ بعضُهُم أولياءُ بعضٍ فقَطَعَ ولايتَهم عنِ المُؤمنينَ، وقولُهُ: {إلاَّ تَفعلُوه تَكُنْ فِتنةٌ في الأرضِ وفسادٌ كبيرٌ} (الأنفال: 73). 

قالَ الشَّيخُ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن آل الشَّيخ: (وهلِ الفتنةُ إلاَّ الشركُ، والفسادُ الكبيرُ هَوَ انتِثارُ عِقد التَّوحيدِ والإسلامِ وقَطْعُ مَا أحكَمَه القرآنُ مِنْ الأحكامِ والنِّظام) 

9) قولُهُ تعالى: {إنَّ الذينَ ارتدُّوا على أدبارِهِم مِنْ بَعدِ مَا تَبيَّنَ لهُمُ الهُدى الشَّيطانُ سوَّلَ لهم وأمْلَى لهم * ذلكَ بأنَّهم قالوا للذينَ كرِهُوا مَا نزَّلَ اللهُ سنُطِيعُكُم في بعضِ الأمرِ واللهُ يَعلمُ إسرَارَهم } (محمَّد: 25 - 26)، ومَوضِعُ الإستدلالِ في هذِهِ الآيةِ أنَّ المُرتدَّينَ قالوا للكافرينَ الذينَ كَرِهُوا مَا نزَّلَ اللهُ، {سنُطِيعُكُم في بعضِ الأمرِ}، فإذا كانوا قد أطاعُوهم في بعضِ الأمرِ صاروا به مُرتدَّينَ مع أنَّهم لم يُطيعُوهم في كلِّ الأمرِ، فكيفَ بمَنْ أطاعَهم في كلِّ أمورِهِم بلْ وناصرَهم وعاونَهم وسانَدَهم ووطَّد مُلكَهم وحَمَى دَولتهم، فمَن كانَ هذا حالُهُ فمِن بابِ أولَى أنْ يكونَ مُرتدَّاً.

10) قولُهُ تعالى: {يا أيُّها الذينَ آمنوا إنْ تُطيعُوا الذينَ كفروا يَردُّوكم على أعقابِكم فتنقَلِبُوا خاسرينَ * بلِ اللهُ مولاكُم وهَوَ خيرُ النَّاصرين} (آل عمران: 149 - 150).

فأخبَرَ تعالى أنَّ المُؤمنينَ إنْ أطاعُوا الكافرينَ رَدُّوهم عن دينِهم لأنَّهم يَوَدُّونَ أنْ يَكفُروا ليكُونوا في الكُفرِ سواء، ولذلكَ لم يُرخص في طاعتِهم . ثم أخبَرَ أنَّه هَوَ سبُحانه مَولاهم وناصِرهم وهَوَ خيرُ النَّاصرينَ، وفي الآيةِ دليلٌ على أنَّ طاعةََ الكافرينَ ِردَّةٌ عن دينِ الإسلامِ لقولِهِ: {يَردُّوكُم على أعقابِكم}.

11) قولُهُ تعالى: {ألمْ تَرَ إلى الذينَ نافَقوا يَقولونَ لإخوانِهِمُ الذينَ كفروا مِنْ أهلِ الكتابِ لئنْ أُخرجتُم لنََخْرُجَنَّ معكم ولا نُطيعُ فيكم أحداً أبداً وإنْ قُوتِلتُم لنَنصُرنَّكُم واللهُ يَشهدُ إنَّهم لكاذبون} (الحشر: 10). فأفادت هذِهِ الآيةُ أنَّ المُنافقينَ إخوانُ الكُفَّارِ لأنَّهم وعَدُوهُم سِرّاً بالخروجِ معهم إذا قَاتلوا المُسلمينَ ولا يُطيعونَ أحداً ِسواهُم أبداً وَسينصُرونَهم في القتالِ والحربِ، فإذا كانَ كلُّ ذلكَ إنَّما كانَ سِرَّاً وَعَدَّهُ اللهُ نِفاقاً وكُفراً، فكيفَ بمَنْ أظهرَ ذلكَ صِدقاً واستَمَاتَ عليه، والمُهمُّ أنَّ أعوانَ الطَّواغيتِ وأنصاِرهِم كُفَّّارٌ لأنَّهم يُقاتِلونَ في سبيلِ أولياءِ الشَّيطانِ عِياذاً باللهِ مِنْ ذلك .

12) قولُهُ تعالى: {ولا تَركَنُوا إلى الذينَ ظَلَموا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ ومَا لكم مِن دُونِ اللهِ مِن أولياءَ ثُمَّ لا تُنصَرون}(هود 113
فإذا كانَ مُجرَّدُ الرُكونِ إلى الذينَ ظَلموا قد جاءَ فيهِ هذا الوعيدِ الشّديدِ، مع أنَّ الرُكونَ قد يكونُ مِن نوعِ المُداهَنةِ، فكيفَ بمَنْ اتَّبَعهم على كُفِرهِم أو َرضيَ بأعمالِهم أو عاونَهم وأحبَّهم ونَصَرهم، فواللهِ إنَّه سَيكونُ مِثلَهم في الكُفِر مادامَ راِضياً بأعمالِهِم.

ثمّ تأمَّل قولَه تعالى: {ومَا لكُم مِن دُونِ اللهِ مِن أولياءَ ثُمَّ لا تُنصرون}، فإذا كانَ مَنْ مَالَ إلى الظَّالمينَ واستعانَ بِهم قََطَعَ اللهُ وُلايَته عنه ولم يَكنْ ناصراً له، فكيفَ بمَنْ تَولاّهم وأعانَهم كأنصاِر الطَّواغيتِ وأعوانِهم.

13) قولُهُ تعالى: {يا أيُّها الذينَ آمنوا إنْ تُطِيعُوا فريقاً مِنَ الذينَ أُوتُوا الكتابَ يَردُّوكُم بعدَ إيمانِكم كافرينَ * وكيفَ تَكفرونَ وأنتُم تُتلَى عَليكُم آياتُ اللهِ وفِيكُم رسولُهُ ومَنْ يَعتَصم باللهِ فقدْ هُديَ إلى صراطٍ مُستقيم} (آل عمران: 100 - 101). فأخبرَ سُبحانَه وتعالى أنَّ المُؤمنينَ إنْ أطَاعُوا أهلَ الكتابِ رَدُّوهم عن دينِهم، ثُمَّ بيَّنَ أنَّهم كيفَ يَكفرونَ بعدَ أنْ هَداهُم للإيمانِ وفِيهم رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم يَتلُوا عليهم آياتِه، ثُمَّ قالَ: {ومَنْ يَعتَصم باللهِ فقدْ هُديَ إلى صراطٍ مُستقيم}، فأفادت الآيةُ أنَّ المُطِيعينَ للكافرينَ لمْ يَعتَصمُوا باللهِ إذْ لا يَستَقيمُ في قلبِ ُمؤمنٍ الإعتصامُ باللهِ وطاعةُ الكافرين.

ومَحلُّ الإستدلالِ مِنْ هذِهِ الآيةِ أنَّ الحُكَّامَ الطَّواغيتَ أطَاعُوا أولياءَهم مِنَ اليَهود والنَّّصارى وبالأخصِّ الأمريكان، فطَاعَتُهُم لليَهودِ والنَّصارى ِردَّةٌ ظَاهرةٌ عن دينِ الإسلامِ، ومَنْ أطاعِ المُطِيعينَ لليَهودِ والنَّصارى كانَ مثلَهم لإشتراكِهم جميعاً في طاعةِ الكافرينَ  , وتارك الشاة مثل الذئب غدار. 

  الأدلة على كفر أعوان الطواغيت وأنصارهم من السنه
عن أبي سعيد وأبي هريرة رضي الله عنهما قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليأتين عليكم أمراء يقربون شرار الناس ويؤخرون الصلاة عن مواقيتها، فمن أدرك ذلك منكم فلا يكونن عريفا ولا شرطيا ولا جابيا ولا خازنا (رواه أبو يعلى وابن حبان وهو صحيح
عن أبي أمامة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ثم سيكون في آخر الزمان شرطة يغدون في غضب الله ويروحون في سخط الله فإياك أن تكون من بطانتهم) رواه الطبراني انظر صحيح الجامع
(عنِ حسنِ بن محمد قالَ: أخبَرنِي عُبيد بن أبي رافعٍ قالَ: سَمعتُ عليَّاً رضيَ اللهُ عنه يقولُ: بَعثني: (رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَا والزُّبيرُ والمِقدادُ بن الأسودِ، قالَ: إنطَلِقوا حتَّى تَأتُوا روضة خاخٍ فإنَّ بها ظُعينة، ومَعَها كتابٌ فَخُذُوه مِنها. فانطَلقنا تعادى بنا الخيلُ، حتَّى انتَهينا إلى الروضةِ، فإذا نَحنُ بالظعينة فقلنا: أخِرجي الكتابَ، فقالتْ مامَعيَ مِن كتابٍ، فقُلنا لتُخِرجِنَّ الكتابَ أو لنُلقينَّا الثيابَ، فأخرَجَتُه مِن عقاصها، فأتَينا به رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم فإذا فيه: مِنْ حاطبِ بن أبي بَلتَعةَ إلى أنُاسٍ مِن المُشركينَ مِنْ أهلِ مكَّة، يُخبِرُهم ببعضِ أمرِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: يا حاطبُ مَاهذا؟ قالَ: يا رسولَ اللهِ لا تَعجَل عَليَّ، إنِّي كُنتُ إمراً ملصقاً في قريش، ولم أكنْ ِمنْ أنفسها، وكانَ مَنْ معكَ مِنْ المُهاجرينَ لهم قََرابات بمكَّة، يَحمُونَ بها أهليِهِم وأموالِهم،فأحبَبتُ إذ فاتَني ذلكَ مِنَ النَّسبِ فيهم أنْ أتّّخذَ عندهم يَداً يحمونَ بها قَرابتي، ومَا فعلتُ كُفراً ولا ارتدَاداً، ولا رِضاً بالكُفرِ بعدَ الإسلام، فقالَ رسولُ اللهِ: لقدْ صدَقكم. قالَ عُمر: يا رسول الله دَعني أضربْ عُنقَ هذا المُنافق، قالَ: إنَّه قدْ شَهِدَ بدراً وما يُدريكَ لَعلَّ اللهَ أنْ يكونَ قدْ إطَّلعَ على أهلِ بدرٍ فقالَ؛ اعِملوا ما شِئتم فقدْ غَفرتُ لكم) رواه البُخاري، في كتابِ الجهادِ والسِّير، باب الجَاسوس
يتبين أنَّ قِصَّةَ حاطبِ بن أبي بَلتَعةَ رضي الله عنه تَدلُّ على أنَّ مُناصرةَ الكُفَّارِ ومُعاونتِهم ومُظاهرتِهم على المُسلمينَ كُفرٌ ورِدَّةٌ عَنِ الدِّينِ.

ويَتبيَّنُ ذلكَ مِنْ وجُوهٍ: 

الأوَّل: قولُ حاطبٍ رضيَ اللهُ عنه: (ومَا فََعلتُ كُفراً ولا ارتِدَاداً ولا ِرضاً بالكُفرِ بعدَ الإسلامِ)، وفي ِروايةٍ عند البُخاري: "بابُ؛ فضلُ مَنْ شَهدَ بدراً"، قال: (واللهِ مَا بيَ أنْ لا أكونَ مُؤمنًا باللهِ ورسولِهِ، صلَّى اللهُ عليه وسلَّم)، وفي ِروايةٍ عنده أيضاً، "بابُ؛ غَزوةِ الفتحِ"، أنَّه قالَ: (ولمْ أفعَلُهُ ارتِداداً عن ِديني ولا ِرضاً بالكُفرِ بعدَ الإسلام)، وفي ِروايةٍ عنده أيضاً في "باب؛ {لا تّتَخِذوا عَدوي وعَدوكم أولياء}"، قالَ حاطبُ: (ومَا فَعلتُ ذلكَ كُفراً ولا ارتِدَاداً عن ِديني)، وفي ِروايةٍ عنده أيضاً، "بابُ؛ مَنْ نَظَرَ في كتابِ مَنْ يَحذر على المُسلمينَ ليَستَبينَ أمرُهُ"، قالَ: (مَا بيَ ألا أكونَ مُؤمنًا باللهِ ورسولِهِ، ومَا غيَّرتُ ولا بدَّلتُ)، وفي ِروايةٍ عنده أيضاً "بابُ؛ مَاجاءَ في المُتأوِّلينَ"، قالَ: (يا رسولَ اللهِ ماليَ أنْ لا أكونَ مُؤمناً باللهِ ورسولِهِ)، فهذا يدُلُّ على أنَّ المُقرَّر عند الصَّحابةِ رضيَ اللهُ عنهم ومِنهم حاطبُ رضيَ اللهُ عنه أنَّ مُعاونةَ الكُفَّارِ والتَّجسُسِ لهم وإفشاءِ أسرارِ المُسلمينَ لهم، ومُناصرتِهم ومُظاهرتِهم على المُسلمينَ أنَّه ِردَّةٌ عن دينِ الإسلامِ وكُفرٌ باللهِ ورسولِهِ. 

الثَّاني: قولُ عمر بن الخطَّاب رضيَ اللهُ عنه: (يا رسولَ اللهِ، دَعني أضربُ عُنقَ هذا المُنافقِ)، وفي ِروايةٍ في "بابِ؛ إذا اضطُرَ الرجلُ إلى النَّظرِ في شُعورِ أهلِ الذِمَّةِ": (دَعني أضربُ عُنقَه فإنَّه قدْ نَافق)، وفي ِروايةٍ "بابُ؛ فضلُ مَنْ شَهدَ بَدراً"، قالَ عمر: (يا رسولَ اللهِ قدْ خانَ اللهَ ورسولَه والمُؤمنينَ فدعني فلأضْرِبْ عُنُقَه...)، ثُمَّ قالَ: (إنَّه قدْ خانَ اللهَ والمُؤمنينَ فدعني فلأضْربْ عُنُقَه)، وفي ِروايةٍ أنَّ عمر بن الخطَّاب قالَ: (إنَّه قدْ خانَ اللهَ ورسولَه والمُؤمنينَ، فدعني فأضربُ عُنُقه)، في "بابِ؛ مَنْ نَظرَ في كتابِ مَنْ يَحذر على المُسلمينَ ليَستَبينَ أمره"، وفي ِروايةٍ في "بابِ؛ مَا جاءَ في المُتأوِّلينَ" قالَ عمر: (يا رسولَ اللهِ قدْ خانَ اللهَ ورسولَه والمُؤمنينَ، دعني فأضربُ عُنقه...)، ثُمَّ قالَ فعادَ عمر فقالَ: (يا رسولَ اللهِ قدْ خانَ اللهَ ورسولَه والمُؤمنينَ، دعني فلأضربْ عُنُقه). فقدْ كانَ المُقرَّر عندَ عمر بن الخطَّاب رضيَ اللهُ عنه أنَّ مُظاهرةَ الكُفَّارِ على المُسلمينَ ومُعاونتِهم والتَّجسُسِ لهم نفاقٌ وكُفرٌ وِردَّةٌ عن دينِ الإسلامِ وخيانةٌ للهِ ولرسولِه وللمُؤمنينَ وذلكَ ظاهرٌ مِن قولِ عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه فليسَ فيهِ خَفاء.

الثَّالث: عدمُ إنكارِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم على عمر قولَه هذا، وإنِّما ذَكرَ له صِدقَ مَا اعتذرَ بهِ حاطب، ولذلكَ قالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم: (لقدْ صدَقَكم)، وفي ِروايةٍ قالَ: (صَدَقَ لا تَقُولوا له إلاَّ خيراً)، وفي ِروايةٍ قالَ: (إنَّه قد صَدقَكم)، وفي ِروايةٍ: (فصدَّقَه النبَََّي صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم). 

الرابع: أنَّ حقيقةَ فِعلُ حاطبٍ رضي الله عنه أنَّه كُفرٌ، لكنَّ حاطباً لمْ يَكفُر لأنَّه لمْ يقصِد الكُفرَ وهذا مفهومٌ مِن قولِهِ: (ومَا فعلتُ ذلكَ كُفراً ولا ارتِدَاداً عن ديني)، وعلَّلَ ذلكَ أيضاً بأنَّه مَا فَعلَ فعْلَته تلكَ إلاَّ لِيتَّخذَ عندَ قريشٍ يَداً يَحمُون بها قُرابتِه، ومع أنَّ ذلكَ ليسَ بعذرٍ لحاطبٍ ولا لغيره، إلاَّ أنَّ حاطباً لمَّا كانَ مُتأوِّلاً انتَفى عنه الكُفر.

ولذلكَ قالَ الحافظُ ابن حجر في "الفتحِ: (وعُذرُ حاطبَ مَا ذَكَره، فإنَّه صَنعَ ذلكَ مُتأوِّلاً أنْ لا َضَرَرَ فيهِ) أهـ.
الخامس: ذكرَ الحافظُ في "الفتح، فقالَ: (وعندَ الطَّبريُ مِن طَريقِ الحارثِ عن عليٍّ في هذهِ القِصَّةِ فقالَ: أليسَ قدْ شَهدَ بدراً؟ قالَ: بَلَى، ولكنَّه نَكث وظََاهرَ أعدائكَ عليكَ).

فهذا يَدُلُّ على أنَّ مُظاهرةَ الكُفَّارِ ومُناصرتِهم ومُعاونتِهم على المُسلمينَ نَكثٌ للعهدِ وِردَّةٌ ظَاهرةٌ وكُفرٌ صُراح.

السادس: أنَّ حَاطباً رضي الله عنه مَع أنَّه نَصَرَ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بنَفْسِهِ ومَالِهِ وخَرجَ مَعَه غَازيَاً في غَزواتِهِ وشَهِدَ مَع رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم المَشاهِدَ كُلَّها، وكانَ ِممَّنْ شَهِدَ بَدرَاً والحُديبَّية، قدْ قالَ فيهِ عمر رضي الله عنه: (إنَّّه قدْ خانَ اللهَ ورسولَهَ والمُؤمنينَ)، وَعدَّ فِعْلَه ذاكَ مُظاهرةً للمُشركينَ وتَجَسُسَاً على المُسلمينَ، مَع أنَّه مَا فَعَلَ ذلكَ إلاَّ لظنِّه أنَّ اللهَ نَاصِرُ رسولَه، وأنَّ إخبارَه لقريشٍ بتَجهِيز رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إليهم لا يَضرُّ اللهَ ولا رسولَه كَمَا رَوَى قِصَتَه إبن مَردَويه مِنْ حديثِ إبن عبَّاسٍ فَذَكَرَ مَعنى حديثِ عليٍّ وفيهِ فقالَ: (يا حاطبُ مَا دعاكَ إلى مَا صََنعتَ؟ فقالَ: يا رسولَ اللهِ كانَ أهلِِي فيهِمِ فكَتَبتُ كِتاباً لا يَضُرُّ اللهََ ولا رسولَه). 

ورَوى إبن شَاهين والبَارُودي والطَّبَرانِيُ وسَمَويه مِن طَريقِ الزُهرِيِّ عن عُروة عن عبد الرحمن بن حاطب بن أبي بَلتَعة قالَ: (وحاطبُ رجلٌ مِنْ أهلِ اليَمنِ وكانَ حَليفَاً للزُّبيرِ وكانَ مِن أصحابِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وقدْ شَهدَ بدراً وكانَ بَنُوهُ وإخوَتُهُ بمكَّة فكَتَبَ حاطبُ مِنَ المدينةِ إلى كِبارِ قريشٍ يَنصَحُ لهم فيهِ...)، فَذَكَرَ الحديثَ نَحَوَ حديثِ عليٍّ وفي آخرِهِ فقال َحاطبُ: (واللهِ مَا ارتَبتُ في اللهِ مُنذُ أسلَمتُ ولكنَّني كُنتُ إمراً غريبَاً وليْ بمكَّة بَنونَ إخوةً... الحديث)، وزادَ في آخرِهِ: (فأنزَلَ اللهُ تعالى: {يا أيُّها الذينَ آمنوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوي وعَدُوكم أولياءَ... الآياتِ})، ورَواهُ إبن مَردَويه مِن حديثِ أنسٍ وفيه نُزولُ الآيةِ، ورَواهُ إبن شَاهين مِن حديثِ إبن عمر بإسنادٍ قويِّ .
فكيفَ بمَنْ يَتولَََّى الكُفَّارَ ويُعاديَ المُؤمنينَ ويُناصرُ الطَّواغيتَ ويُعينَهم على حربِ المُجاهدينَ، وَيَستعمَله الطَّاغوتُ لمُظاهرةِ الأمريَكانِ على المُسلمينَ وبالأخصِّ على الحركاتِ الإسلاميَّةِ، فمَنْ كانَ حَالُه هكذا فَهوَ أولَى بإنزالِ حُكمِ الِردَّةِ والنِفاقِ عليهِ.

السابع: إنَّ لفظَ الكتابِ الذي بَعثَه حاطبُ لنفرٍ مِنَ المُشركينَ لمْ يَكنْ مِنْ المُظاهرةِ في شيءٍ فقدْ ذَكَرَ بعضُ أهلِ المَغازي وَهَوَ في "تَفسِير يَحي بن سلام" أنَّ لفظَ الكتابِ: (أمَّا بعدُ يا مَعشرَ قريشٍ فإنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم جَاءَكم بِجيشٍ كاللَّيل، يَسيرُ كالسَّيلِ، فواللهِ لو جَاَءكم وَحدَه لنَصَرَهُ اللهُ وأنجَزَ لَه وعْدَه، فانظُروا لأنفُسِكم والسَّلام)، كَذا حَكاهُ السُهيليِّ ، فمَضمُونَ ِرسالةِ حاطبٍ لا يُفهَمُ مِنه المُظاهرةُ للمُشركينَ على المُسلمينَ، وليسَ فيهِ مَا يَدُلُّ على أنَّه نَاصَرَ الكُفَّارَ وعاونَهم على المُسلمينَ، غايَتُه أنْ يكونَ مَعصيةٌ، كَفَّرَها اللهُ لَه بِسببِ شُهودِهِ بَدراً.

الثامن: إنَّّ حَاطِباً لمْ يَفعلْ ذلكَ نِفاقاً ولا تَجَسُسَاً للكُفَّارِ على المُسلمينَ، بَلْ إنَّما فَعَلَه مُصانَعةً ليكونَ لَه عندَهُم يَدّ، وهذا الفِعلُ وإنْ كانَ بِحَدِّ ذَاتِه يُعَدُّ كُفرَاً في الإسلامِ، إلاَّ أنَّ حَاطِباً ظَنَّ أنَّه ليسَ مِنْ جِنْسِ الكُفر، فَفي ِروايةِ ابن إسحاق أنَّه قالَ: (وكانَ لِي بَينَ أظهُرهِم وَلَدٌ وَأهلٌ فَصَانَعتُهُم عليه... ورَوى الواقديُّ بِسنَدٍ لَهُ مُرسلٌ أنَّ حَاطِبَاً كَتَبَ إلى سُهيلِ إبن عَمْرو وصَفوان بن أميّة وعِكرمة؛ أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أذَّنَ في النَّاسِ بالغزو ولا أرَاهُ يُريدُ غَيرَكُم، وقدْ أحبَبتُ أنْ يكونَ لِيَ عِندَكُم يَدّ) .

ولذلكَ قََبِِلَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عُذرَهُ، مِمَّا يَدُلُّ على أنَّه كانَ صَادِقاً في عُذْرِهِ الذي اعتَذَرَ به.

2) عنْ جَريرِ بن عبد الله البَجليُّ رضي الله عنه قالَ: (أتيتُ النَّبيَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وَهُوَ يُبَايَعُ فقُلتُ: يا رسولَ اللهِ أُبسُطْ يَدكَ أُبايِعكَ واشتَرِطْ عَلَيَّ فأنتَ أعلم، قالَ: أُبايعُكَ على أنْ تَعبدَ اللهَ، وتُقيمَ الصَّلاةَ، وتُؤدِّي الزكاةَ، وتُناصِحَ المُسلمينَ، وتُفَارقَ المُشركينَ) رَواه أحمدُ في المُسنَد ) والنَّسائي في السُنن الكُبرى
فأفادَ الحديثُ وجوبَ مُفارقةِ المُشركينَ، وأنَّ ذلكَ مِمَّا اشتَرَطَهُ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عليهم عندَ مُبايَعتِهِم لَه، ومُظاهرةُ المُشركينَ ومُعاونتُهُم بأيِّ نوعٍ مِنْ أنواعِ المُعاونةِ لا يُحَقِّق ذلكَ الشَّرط.

3) وعن بَهز بن حكيم عن أبيه عن جَدِّه قالَ: (قُلتُ؛ يا نَبيَ اللهِ مَا أتَيتُكَ حتَّى حَلَفتُ أكثرَ مِنْ عَددِهِنِّ - لأصَابِع يَديِهِ - ألاَّ آتِيكَ، ولا آتيَ دِينَكْ، وإنِّي كُنتُ إمراً لا أعْقْلُ شَيئَاً إلاَّ مَا علَّمَني اللهُ ورسولُهُ، وإنِّي أسألُكَ بِوجهِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ بِمَا بَعَثَكَ ربُكَ إلينَا؟ قالَ: بالإسلامِ، قالَ: قُلتُ: وَمَا آياتُ الإسلامِ؟ قالَ: أنْ تقولَ؛ أسْلمتُ وَجهَيَ إلى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وتَخلَّيتَ، وتُقيمُ الصَّلاةَ، وتُؤدِّي الزكاةَ، كُلُّ مُسلمٍ على مُسلمٍ مُحَرَّم، أخوان نصيران، لا يَقبَلُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ مُشركٍ بعدَ مَا أسلَمَ عَملاً أو يُفارقُ المُشركينَ إلى المُسلمينَ) رَواه أحمدُ والنسائي والحاكِمُ في المُستدرَكِ
ومَحلُ الإستدلالِ بِهِ قولُهُ: (لا يَقبلُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ مُشركٍ بَعدَ مَا أسلمَ عَملاً أو يُفارقُ المُشركينَ)، فَدَلَّ على أنَّ مَنْ لمْ يُفارقْ المُشركينَ لا يََقبَلُ اللهُ مِنه عَملاً بَعدَ إسلامه، وأنَّ الشَّرطَ في ِصحَّة إيمانِهِ هَوَ مُفارقةُ المُشركينَ إلى المُسلمينَ، ومُظاهرةُ الكُفَّارِ ومُعاونتِهِم ومُناصرتِهِم بالقولِ والفعلِ لا يُحقِّقُ ذلكَ الأصلَ العظيم.

4) عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه: (أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بَعَثَ سَريَّةً إلى خَثعَم فاعتَصمَ ناسٌ بالسُّجُودِ فأسرَعَ فيهم القتلَ، فبَلَغَ النَّبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فأمَرَ لَهم بنصِفِ العَقلِ وقالَ: أنَا بَريءٌ مِنْ كُلِّ مُسلمِ يُقيمُ بَينَ أظْهُرِ المُشركينَ، قالوا: يا رسولَ اللهِ وَلِمَ؟ قالَ: لا تَرَايَا نَارَاهُما) رَواهُ التِّرمِذيُ في كتابِ السِّير وأبو داود في كتابِ الجهادِ
فإذا كانَ المُقيمُ بينَ أظْهُرِ المُشركينَ قدْ بَريءَ مِنهُ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فكيفَ بِمَنْ ظاهَرَهُم وعَاونَهُم ونَاصَرَهُم على المُسلمين.

5) وقالَ الإمامُ التِّرمذيُ في "السُّننِ" في "كتابِ السِّير"، "بابُ؛ مَا جَاءَ في كراهيةِ المُقامِ بينَ أظْهُرِ المُشركينَ"  (وَرَوى سَمُرَةُ بن جُندُب، عَنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قالَ: لا تُسَاكِنُوا المُشركينَ ولا تُجَامِعُوهم، فَمَنْ سَاكَنَهم أو جَامَعَهم فَهَوَ ِمثلَهم).

فإذا كانَ مَنْ سَاكنَهم أو إختلطََ بِهم صَارَ ِمثلَهم، فَمِنْ بابِ أولَى أنْ يَصيرَ ِمثلَهم في الكُفرِ مَنْ ناصَرَهم وعَاونَهم وظَاهَرَهم على المُسلمينَ أو تَجَسَّسَ لَهم.)
* أقوال أهل العلم المقتدى بهم في الدين في ردة من عاون الكفار وناصرهم وتولاهم وظاهرهم على المسلمين
قالَ الحافظُ في "الفتحِ عندَ شرِحِهِ لحديثِ ابن عمر رضيَ اللهُ عنهُمَا مَرفُوعاً: (إذا أنزَلَ اللهُ بِقومٍ عَذاباً أصَابَ العذابُ مَنْ كانَ مِنهم ثُمَّ بُعِثوا على أعمَالِهِم)، فقالَ: (ويُستفادُ مِنْ هذا مَشُروعيَّةُ الهَربِ مِنْ الكُفَّارِ وَمِنْ الظَّلَمةِ، لأنَّ الإقامَةَ مَعَهم مِنْ إلقاءِ النَّفسِ إلى التَّهلُكةِ، هذا إذا لمْ يُعِنْهم ولمْ يَرْضَ بأفعالِهم، فإن أعَانَ أوَ رَضيَ فَهُوَ مِنْهُم)

وقال الإمامُ ابنُ حزم رحِمه اللهُ تعالى في "المُحلَّى بالآثار"  مَا نَصُّهُ: (صَحَّ أنَّ قولَهُ تعالى: {وَمَنْ يَتَولَّهُم مِنْكُم فإنَّه مِنْهم}، إنَّمَا هَوَ على ظَاهِرِهِ بأنَّه كافرٌ مِنْ جُملةِ الكُفَّارِ، وهذا حقٌ لا يَختلِفُ فيه اثنانٌ مِنْ المُسلمينَ(. 

وقالَ الشَّيخُ عبد البَاري الأهدَل رحِمه اللهُ تعالى في "السَّيفِ البتَّارِ على مَنْ يُوالِي الكُفَّارَ ويَتَّخِذَهم مِنْ دُونِ اللهِ ورسولِهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم والمُؤمنينَ أنصار"  (وقالَ تعالى: {فلا وَرَبِّكَ لا يُؤمنونَ حتَّى يُحَكِّمُوكَ فيمَا شَجَرَ بَينَهم ُثمَّ لا يَجدُوا في أنفِسَهَم حَرجَاً مِمَّا قَضيتَ ويُسلِّمُوا تَسلِيماً})، فقالَ: (وقدْ حَكَمَ اللهُ ألاَّ نَتَولَّى الكُفَّارَ بِوَجهٍ قَطّ، فَمَنَ خَالفَ لِمَا يََحكُم، فأنَّى يَكونُ لَه إيمان، وقدْ نَفَى اللهُ إيمانَه، وأكَّدَ النَّهيَ بأبلغِ الوُجُوهِ والإقسَامِ على ذلكَ فاسْتَفِدْه) أهـ.


وقالَ شيخُ الإسلامِ ابن تَيميَّة رحِمه اللهُ تعالى في "مجموعِ الفتاوى، عندَ كلامِهِ على مَنْ أعَانَ التَّتَارَ فقالَ: (كُلُّ مَنْ قَفَزَ إليهم - أي التَّتار - مِنْ أُمراءِ العَسكرِ وغيرِ الأمراءِ فحُكُمُهُ حُكْمُهُم، وفيهم مِنْ الِردَّةِ عن شرائعِ الإسلامِ بَقدرِ مَا ارتدَّ عنه مِنْ شَرائعِ الإسلامِ، وإذا كانَ السََّلفُ قدْ سَمُّوا مَانِعِي الزَّكاةِ مُرتدَّينَ مَعَ كونِهِم يَصُومُونَ، ويُصلُّون ولمْ يكونوا يُقاتِلُونَ جماعةَ المُسلمينَ، فكيفَ بِمَنْ صَارَ معَ أعداءِ اللهِ ورسولِهِ قَاتِلاً للمُسلمينَ؟) أهـ.

وقالَ الإمامُ ابن القيِّم الجَوزيَّة في "أحَكامِ أهلِ الذِمَّةِ: (أنَّه سُبحانه قدْ حَكَمَ ولا أحسَن مِنْ حُكْمِهِ أنَّه مَنْ تَولَّى اليَهودَ والنَّصارى فَهُوَ مِنهم).

وقالَ الشَّيخُ محمَّد الأمين الشَنقِيطِي في "أضواءِ البَيَان" بعدَ أنْ ذَكَرَ جُملةًً مِنْ الآياتِ النَّاهيةِ عن مُوالاةِ الكُفَّّارِ وَتَولِّيهم: (ويُفهَمُ مِنْ ظَواهرِ هذِهِ الآياتِ أنَّ مَنْ تَولَّى الكُفَّارَ عَمْدَاً و اختِيَارَاً رَغبَةًً فِيهم أنَّه كافرٌ مثلهم) أهـ.

 وقالَ الشَّيخُ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن آل الشَّيخ رحِمه اللهُ تعالى بعدَ أنْ تَكلَّمَ على وُجُوبِ مُعاداةِ الكافرينَ: (... فكيفَ بِمَنْ أعَانَهم أو جَرَّهم على بلادِ أهلِ الإسلامِ، أو أثنَى عليهم، أو فَضَّلَهم بالعدلِ على أهلِ الإسلامِ، واختارَ دِيَارَهم وَمَسَاكِنَهم وَوِلايَتَهم وأحبَّ ظُهورَهم، فإنَّ هذا ِردَّةٌ صرَيحةٌ بالإتِّفاق، قالَ اللهُ تعالى: {وَمَنْ يَكفُر بالإيمانِ فقدْ حَبِطََ عَمَلُه وَهَوَ في الآخرةِ مِنَ الخاسرين}) الدُّررُ السُنيَّة
وقالَ الشَّيخُ عبد الله بن حميد رحِمَه اللهُ تعالى: (وأمَّا التَّوَلِّي: فَهَوَ إكرامُهُم، والثَّناءُ عليهم, والنُصرةُ لهم والمُعاونةُ على المُسلمينَ، والمُعاشرةُ، وعدمُ البَراءةِ مِنهم ظَاهِراً، فهذا ِردَّةٌ مِنْ فَاعِلِهِ، يَجبُ أنْ تَجريَ عليه أحكامُ المُرتدِّينَ، كَمَا دَلَّ على ذلكَ الكتابُ والسُنَّةُ وإجماعُ الأئمَّةِ المُقتَدَى بِهِم) الدُّررُ السُنيَّة أهـ. 

 وقالَ الشَّيخُ عبد العزيز بن عبد الله بن باز: (وقدْ أجمعَ عُلماءُ الإسلامِ على أنَّ مَنْ ظَاهَرَ الكُفّّارَ على المُسلمينَ وسَاعَدَهم بأيِّ نوعٍ مِنْ المُساعدةِ فَهُوَ كافرٌ مثلُهم، كَمَا قالَ اللهُ سُبحَانه: {يا أيُّها الذينَ آمنوا لا تَتَّخِذُوا اليَهودَ والنَّصارى أولياءَ بعضُهُم أولياءُ بعضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهم مِنكم فإنَّه مِنهم إنَّ اللهَ لا يَهدي القومَ الظالمينَ}) فتاوى ابن باز (1: 274 فهل من معتبر!!!


والحاصلُ:

أنَّ أعوَانَ الطَّواغيتِ وأنصارِهِم كُفَّارٌ لا مَحَالةَ لكَونِهِم يَنصُرُونَ الحُكَّامِ المُرتدِّينَ بالقولِ والفعلِ وَمَنْ فَعَلَ ذلكَ كانَ مُظاهِراً للكافرينَ على المُسلمينَ، وبإجماعِ أهلِ العلمِ الذينَ يُقتَدَى بِهم في الدينَ أنَّ مِنْ نَواقِضِِ الإسلامِ:)مُظاهرةُ المُشركينَ ومَعُونَتِهم على المُسلمينَ)، كَمَا نَصَّ على ذلكَ شيخُ الإسلامِ محمَّد بن عبد الوهاب النَّجدي رحِمه اللهُ تعالى في نَواقضِ الإسلامِ .

وقالَ أيضاً كَمَا في "الدُّررُ السُنيَّة (واعْلَمُوا أنَّ الأدِلَّةَ على تَكفيرِ المُسلمُ الصالحُ إذا أشْرَكَ باللهِ أو صَارَ معَ المُشركينَ على المُوحِّدينَ - ولمْ يُشْرك - أكثرَ مِنْ أنْ تُحْصَر، مِنْ كلامِ اللهِ، وكلامِ رسولِهِ، وكلامِ أهلِ العلمِ كلِّهِم).

وقالَ أيضاً في "الدُّرر" (أنَّّ الرِّضَا بالكُفرِ كُفرٌ، صَرَّحَ بِهِ العُلماءُ، ومُوالاةُ الكُفَّارِ كُفرٌ) أهـ.
* هل يُعذر أنصار الطاغوت وأعوانه بالجهل؟
بَقِيَ أنْ نُشِيْرَ هُنَا إلى مَسْألةٍ مُهِمَّةٍ طَالمَا يُرْدِّدُهَا البَعضُ وهِيَ...

هلْ يُعْذَرُ أنصارُ الطَّاغُوتِ وأعوانِهِ بالجَهْلِ؟ بمَعْنَى هلْ جَهْلُ النَّاسِ بكُفْرِ الحُكَّامِ المُبَدِّلِينَ لشِرْعِ اللهِ وَِردَّتِهِم هُوَ الدَّافِعُ لهم أنْ يَنْخَِرُطوا في ُصفُوفِ جَيْشِ الحَاكِمِ المُرْتَدِّ وتَشكِيْلاتِهِ العَسْكِريَّةِ والأمْنِيَّةِ؟ وهلْ هذا الجَهْلُ مِمَّا يُعْذَرُ فيه صَاحِبَهُ أمْ لا؟


ومَعَ أنَّ العُذرَ بالجَهْلِ يَنْدَِرجُ في مَبْحَثِ مَوَانِعِ التَّكفِيرِ إلاَّ أنَّ العُلمَاءَ قدْ قَسَّمُوا الجَهْلَ إلى مَا يُعْذرُ بِهِ الإنْسَانُ ومَا لا يُعْذَرُ بِهِ، فمَا يُعْذَرُ بِهِ الجَهْلُ كالمَسَائِلِ المَجْهُولةِ مِثلُ المَسَائِلِ الخَفِيَّةِ التي اخْتَلفَ أئِمَّة الإسلامِ فيها ولمْ يُجْمِعُوا عليها وكالمَسَائِلِ الإجْتِهَادِيَّةِ التي تَتَعَدَّدُ فيها أقوالُ مُجْتَهِدِي الأمَّةِ وأئِمَّتِها، نَظَرَاً لكونِ تِلكَ المَسَائِلَ ليسَ فيها نَصٌّ قَطعِيٌ في دَلالتِهِ وُثبُوتِهِ. أو كأنْ يكونَ الجَاهِلُ حَدِيثُ عَهْدٍ بالإسلامِ أو نَشَأ في بَادِيَةٍ بَعِيدَةٍ أمَّا مَا يُمكِنُ للمُكَلَّفِ دَفعُهُ أو لا يَسَعُ أحَدَاً جَهْلهُ غيرَ مَغْلوبٍ على عَقلِهِ كمَسَائِلِ الإيمانِ والتَّوحِيدِ ومَسَائِلِ الشركِ والكفرِ والوَلاءِ والبَراءِ وكأركانِ الإسلامِ والإيمانِ ومَعْرفَةِ نَوَاقِضِ الإسلامِ والإيمانِ ومُحْبِطاتِ التَّوحيدِ ومَعْرفَةِ الحَلالِ والحَرامِ وغيرُ ذلكَ مِنْ مَسَائِلِ العِلمِ التي لا يَسَعُ بَالِغَاً غيرَ مَغْلوبٍ على عَقلِهِ جَهْلُهُ، فلا يُعْذَرُ فيه المُكَلَّفُ بالجَهْلِ سواءً ادَّعَاه أو تَعَذَّرَ بهِ، لوُجُوبِ تَعَلمِهِ وسُؤالُ أهلِ الذِكرِ عنه إنْ جَهِلَهُ لقولِهِ تعالى: {فاسْألوا أهلَ الذِكِر إنْ ُكنْتُمْ لا تَعْلمُونَ} (النَّحل: 43)، فمَنْ قصَّرَ في تَعَلُمِ ذلكَ أو فَرَّطَ فيه لمْ يَكنْ مَعْذورَاً فيهِ.

يقولُ القرافيُّ المَالكيُّ في "الفُرُوقِ) القَاعِدةُ الشَّرعيَّة دَلَّتْ على أنَّ كلَّ جَهْلٍ يُمكنُ المُكَلَّفِ دَفعَهُ، لا يَكونُ حُجَّة للجَاهِلِ، فإنَّ اللهَ تعالى بَعَثَ رُسُلَهُ إلى خَلقِهِ برَسَائِلِهِ، وأوْجَبَ عليهم كَآفَةً أنْ يَعْلَمُوهَا، ُثمَّ يَعْمَلوا بهَا، فالعِلمُ والعَمَلُ بهَا وَاِجبَان، فمَنْ تَرَكَ التَّعَلمَ والعَمَلَ، وَبَقِيَ جَاهِلاً، فقدْ عَصَى مَعْصِيَِتَينِ لتَرْكِهِ وَاِجبَينِ( أهـ.

ويقولُ ابنُ اللَّحامِ الحَنْبَليُّ في "القوَاعِدِ والفَوَائِدِ الأصُوليَّةِ" : (جَاهِلُ الحُكْمِ إنَّمَا يُعْذَرُ إذا لمْ ُيقَصِّرَ وَيُفَرِّطَ في تَعَلُمِ الحُكْمِ، أمَّا إذا قَصَّرَ أو فَرَّطَ فلا يُعْذَرُ جَزْمَاً) أهـ.

ويقولُ الإمَامُ الشَّافِعِيُّ في "الرَّسَالةِ" : (إنَّ مِنَ العِلمِ مَا لا يَسَعُ بَالِغَاً غيرَ مَغْلوبٍ على عَقلِهِ جَهْلُهُ مِثلُ الصَّلواتِ الخَمْسِ، وأنَّ للهِ على النَّاسِ صَومُ شَهْرِ رَمَضَان، وَحَجُّ البَيتِ إذا اسْتَطَاعُوهُ، وزَكَاةٌ في أمْوَالِهِم، وأنَّه حَرَّمَ عليهمُ الزِّنَا والقتَلَ، والسَّرقةَ والخَمْرَ، ومَا كانَ في مَعْنَى هذا) أهـ.

ويقولُ الشَّيخُ محمَّد بن عبد الوهاب النَّجْدِيُ: (إنَّ الذي لمْ تَقمْ عليه الحُجَّة هُوَ الذي حَدِيثُ عَهْدٍ بالإسلامِ والذي نَشَأ ببَادِيَةٍ، أو يكونُ ذلكَ في مَسْألةٍ خَفِيَّةٍ مِثلُ الصَّرفِ والعَطفِ * فلا يُكَفَّرُ حتَّى يَعْرف، وأمَّا أصُولُ الدَّينِ التي أوْضَحَهَا اللهُ في كِتَابِهِ فإنَّ حُجَّةَ اللهِ هِيَ القرآنُ، فمَنْ بَلَغَهُ فقدْ بَلَغَتْهُ الحُجَّة) .

ويقولُ كَمَا في "الدُّرَرُ السُنِيَّةِ" : (إنَّ الشَّخَصَ المُعَيَّنَ إذا قالَ مَا يُوجبُ الكُفر، فإنَّه لا يُحْكَمُ بكُفرِهِ حتَّى تَقومُ عليه الحُجَّة التي يَكْفُرُ تَاركُهَا، وهذا في المَسَائِلِ الخَفِيَّةِ التي قدْ يَخْفَى دَلِيْلهَا على بَعضِ النَّاسِ وأمَّا مَا يَقَعُ مِنْهم في المَسَائِلِ الظَّاهِرةِ الجَليَّةِ، أو مَا يُعْلمُ مِنَ الدَّينِ بالضَّرُورَةِ فهذا لا يُتَوَقفُ في ُكفر قَائِلِهِ، ولا تَجْعَل هذِهِ الكَلِمَة عُكَّازَة تَدْفعُ بها في نَحْر مَنْ كَفَّرَ البَلدَةَ المُمْتَنِعَةَ عَنْ تَوحِيدِ العِبَادَةِ والصَّفَاتِ، بَعدَ بُلوغِ الحُجَّةِ ووُضُوحِ المَحَجَّة) أهـ.

إنَّ الحُكَّامَ المُرتَدِّينَ لا يُعْذَرُ أحَدٌ بجَهْلِ حَالِهم لِظُهُوِر ِردَّتِهِم وَوُضُوحِ ُكفِْرهِم البَوَاح، فكيفَ يَعْتَذِرُ أعوانُهُم وأنصارُهُم بالجَهلِ وَحَالهُم ظَاهِرٌ للعَيَان، فهؤلاءِ الحُكَّامُ المُرتدُّونَ قدْ حَكَمُوا بالدَّسَاتِير الوَضْعِيَّةِ والقوَانِينِ الكُفريَّةِ، ولمْ يَحْكُمُوا بشَِرعِ اللهِ، ونَحَّوا الشَّريعَةَ عَنْ كلِّ مَنَاحِي الحَيَاةِ وَأحَلُّوا مَا حَرَّمَ اللهُ كالرِّبَا والخَمِْر وسَائِر المُحَرَّمَاتِ وَحَرَّمُوا مَا أحَلَّ اللهُ كتَحِْريمِهِم للمُسلمِ بالإقامَةِ في البُلدَانِ التي يَحْكُمُونَها، وأعْلَنُوا حَرْبَاً لا هَوَادَةَ فيها على الإسلامِ وأهلِهِ وعلى الشَّريعَةِ وحَمَلَتِهَا وقَتَّلُوا العُلماءَ وشَنَقوا الدُّعَاةَ وزَجُّوا بشَبَابِ الإسلامِ المُتَمَسِّكِ بدِينِهِ في أقِبيَةِ السُجُونِ وعَذَّبُوهم عَذَابَاً يَعْجَزُ اللسَانُ عَنْ وَصْفِهِ والقَلمُ عَنْ تَسْطِيرهِ، وَوَالوا اليَهودَ والنَّصارى، وَفَتَحُوا لأمريكا وَحُلفَائِها مِنْ دُوَلِ الكُفِر الأورُبيَّةِ ِبلادَ الإسلامِ يَفْعَلونَ فيها مَا يَشَاؤونَ، وأمَدُّوُهُم ِبكَافَّةِ التَسْهِيلاتِ العَسْكَريَّةِ والأمنِيَّةِ والإسْتِخْبَارَاتِيَّةِ، وسَمَحُوا لأمريكا وحُلفَائِها بانْتِهَاكِ ِسيَادَةِ ِبلادِ المُسلمينَ، والهَيْمَنَة على المَوَانِيءِ البَحْريَّةِ والقوَاعِدِ الجَويَّةِ، ومَهَّدُوا السَبيلَ للغُزَاةِ مِنَ اليَهودِ والصَّليبيينَ بالسَّيْطَرَةِ على مَنَاِبعِ النِّفطِ وَرَهَنُوا ِبلادَ الإسلامِ بأيْدِي أبْنَاءِ القِرَدَةِ والخَنَاِزير، وَتَخَلُّوا عَنْ ُكلِّ وَاِجبَاتِ الدِّين، وَخَانُوا اللهَ ورسولَهُ والمُؤمنينَ، وَنَشَرُوا الفَسَادَ في رُبُوعِ الأرضِ الإسلامِيَّةِ وَمَكَّنُوا للمُفسِدِينَ في ُكلِّ المَجَالاتِ الحَيَويَّةِ - السِيَاِسيَّةِ والإقتِصَادِيَّةِ والعَسْكُريَّةِ والأمنِيَّةِ والتَربَويَّةِ والثَقَافِيَّةِ والعِلمِيَّةِ والإعْلاميَّةِ – وانْضَمُّوا إلى مَا يُعْرفُ بـ "مُكافَحَةِ الإرْهَابِ" تَحْتَ مَظَلَّةِ المَنْظُومَةِ الكُفريَّةِ التي تَتَزَعْمُها أمريكا وَتَعَاونُوا مَعَها لِمُطَارَدَةِ المُجَاهِدِينََِ في سبيلِ اللهِ، وإلقَاءُ القبْضِ عليهم وتَسْلِيمِهِم إلى أمريكا وغيرَ ذلكَ مِنَ الجَرَائِمِ الكَثيرةِ التي ارْتَكَبُوها في حَقِّ اللهِ ورسولِهِ وفي حَقِّ الدِّينَ الإسلاميِّ وَحَمَلتِهِ ودُعَاتِهِ.

فقومٌ بهذا الإجْرَامِ وَوُضُوحِ الكُفر والِردَّةِ مِنْهم، هلْ ُيْعقَلُ أنَّ مُسْلِمَاً عَاقِلاً بَالِغَاً يَجْهَلُ عَنْهم مَا ذَكَرْنَاهُ وغيرُهُ؟! وهلْ ُكفرُهُم الظَّاهِرُ وِردَّتُهُم البَيِّنِةِ مِنَ المَسَائِلِ التي يَخْفَى دَلِيْلهَا على المُسلمين؟! وهلْ حَالُ هؤلاءِ الحُكَّامِ المُرْتَدِّينَ مِمَّا يَسَعُ بَالِغَاً عَاقلاً جَهْلُهُ؟! 

مَعَ أنَّ المَسَائِلَ التي خَالفُوا فيها شَرْعَ اللهِ مِنْ أصُولِ الدِّينِ والإيمانِ ومِمَّا يُعْلمُ مِنَ الدِّينِ بالضَّرُورَةِ كالحُكْمِ بغير مَا أنزلَ اللهُ وكمُوَالاتِهِم لليَهودِ والنَّصارى عَلانِيَةً مِنْ غيرِ خَفَاءٍ ولا ُشبْهَةٍ، والحاصلُ أنَّ أحَدَاً لا يُعْذَرُ جَزْمَاً بجَهْلِ حَالِ الحُكَّامِ المُرتَدِّينَ المُبَدِّلِينَ ِلشَرْعِ اللهِ، وَمَنْ تَعَذَّرَ بذلكَ كانَ مُقَصِّرَاً وَمُفَرِّطَاً في تَعَلُمِ مَا يَجبُ عليهِ تَعَلُمَهُ مِنْ مَسَائِلِ الإيمانِ والكُفر، وقدْ أوجَبَ اللهُ سُبْحَانه وتعالى عليه سُؤالُ أهلِ الذِكْرِ إنْ كانَ لا يَعْلم، بقولِهِ تعالى: {فاسْألوا أهلَ الذِكْرِ إنْ ُكنتمُ لا تَعْلَمُون} (النَّحل: 43)، وقدْ شَاعَ في هذِهِ الأزمِنَةِ في كثيرٍ مِنْ ِبلادِ المُسلمينَ مَنْ قالَ ِبُكفرِ هؤلاءِ الحُكَّامِ وهذا يَكْفِي لِبُلوغِ الحُجَّةِ وِقيَامِ المَحَجَّةِ، وإنْ وُِجدَ المُخَالِفُ لذلكَ.

وقدْ يقولُ قَائِلٌ؛ إنَّ الجُنُودَ والعَسْكرَ المُنْضَمِّينَ إلى ُصفُوفِ جَيشِ الحُكَّامِ المُرتَدِّينَ قدْ يُعْذَرُونَ لكونِهِم يَرَونَ عُلَمَاءَ السُّوءِ يُصْبِغُونَ على هذِهِ الأنْظِمَةِ الكفريَّةِ بالشَّرعيَّةِ، ويَصِفُونَ هؤلاءِ الحُكَّامِ بالمُسلمينَ، وَيُفتُونَ بوُجُوبِ طَاعتِهِم لكونِهِم مِنْ أمرَاءِ المُسلمينَ الذينَ أمِرْنَا بالسَّمِعِ والطَّاعةِ لهم، ويَقولونَ إنَّ الخُرُوجَ عليهم لا يَجُوزُ وهُوَ مِنْ ِفعْلِ الخَوَارجِ ونَحْو ذلكَ مِنَ الإفكِ والبَاطِلِ الذي يَنْفُقُ في سُوقِ عََبيدِ الحُكَّامِ المُرتَدِّين.

فَنَقولُ: إنَّ وُجُودَ عُلماءِ السُّوءِ وإعْطَائِهِم المُسَوِّغَ الشَّرعيَّ للحُكَّامِ الذينَ يَحْكُمُونَ بغيرِ مَا أنزلَ اللهُ ليسَ مُسَوِّغَاً لأحَدٍ أنْ يَعْتَذِرَ بِهِ، لِوُجُودِ المُخَالفَ لِعُلمَاءِ السُّوءِ مِنَ العُلماءِ الرَّبَانِيينَ والدُّعاةِ الصَّادِقينَ الذينَ ُيقَرِّرُونَ دَائِمَاً ُكفرَ مَنْ لمْ يَحْكمْ بمَا أنْزَلَ اللهُ، ولا نَعْلمُ أنَّ مُسلمَاً الآنَ يَجْهَلُ حَقِيقةَ الحُكَّامِ المُبَدِّلِينَ لشَرعِ اللهِ، وَهُوَ يَرَى مُوَالاتَهُم لليَهودِ والنَّصارى ومُظَاهَرتَهُم للأمريكان على المُجَاهِدِينَ وكافةِ الحَرَكاتِ الإسلاميَّةِ، ومِنَ المعلومِ ضَرُورَةً مِنْ ِدينِ الإسلامِ أنَّ مُظاهَرةَ المُشركينَ على المُسلمينَ ُكفرٌ وِردَّةٌ عَنِ الدِّين، وهذا وَحدَهُ كَافٍ في تَبَيُّنِ حَالِ هؤلاءِ الحُكَّامِ ومَعرفةِ ِردَّتِهِم، فكيفَ إذا انْضَافَ إليه غيرُهُ مِنَ الخِيَانَةِ للهِ ولرسولِهِ وللمُؤمنينَ مَعَ أنَّ مَا وَقَعَ فيه هؤلاءِ الحُكَّامِ المُرتَدِّينَ مِمَّا لا يَسَعُ أحَدَاً جَهْلُهُ كَائِنَاً مَنْ كانَ إذا كانَ بَالِغَاً غيرَ مَغْلوبٍ على عَقلِهِ.

ومِنَ المَعلومِ أنَّ أتِّبَاعَ أئِمَّةِ الضَّلالِ ليسَ مِمَّا يُعْذَرُ بهِ الإنسَانُ، لِبُلوغِ الحُجَّةِ وقِيَامِهَا، إذ لا يُوجَدُ مَنْ يُضَللِ النَّاسَ إلاَّ وُِجدَ مَنْ يُخَالِفَهُ مِنْ أهلِ الحَقِّ، فوُجُودُ أئِمَّةِ الضَّلالِ ليسَ بمَانِعٍ لِوُجُودِ مَنْ هُوَ قَائِمٌ للهِ ِبُحجَّةٍ، ولذلكَ لمْ يَعْذُرَ اللهُ سبحانه وتعالى المُتَّبِعِينَ لأرْبَابِهِم وأسْيَادِهِم وُكبَرَائِهِم، فقالَ تعالى: {إذ تَبَرَّأ الذينَ اتُّبِعُوا مِنَ الذينَ اتَّبَعُوا ورَأوا العَذّابَ وَتَقَطَّعْتْ بِهِمُ الأسْبَابُ * وقالَ الذينَ اتَّبَعُوا لو أنَّ لنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأ مِنْهم كَمَا تَبَرَّأوا مِنَّا كذلكَ يُريهِمُ اللهُ أعْمَالَهُم حَسَرَاتٍ عليهم ومَا هُم بخَاِرِجينَ مِنَ النَّار} (البقرة: 166 - 167)، وقالَ تعالى مُسَفِّهَاً الكُفَّارَ في اتِّبَاعِهِم ِلمَا كانَ عليه آبَاؤهُم وإعْرَاضَهُم عَنْ مَا أنْزَلَ اللهُ مِنَ الحَقِّ والصِّرَاطِ المُستَقِيمِ، فقالَ: {وإذا ِقيْلَ لهُمُ اتَّبِعُوا مَا أنزَلَ اللهُ قَالوا بلْ نَتَّبِعُ مَا ألفَيْنَا عليهِ آبَاءَنَا أوَلو كانَ آبَاؤُهُم لا يَعْقِلونَ شَيئَاً ولا يَهْتَدُونَ} (البقرة: 170)، وقالَ تعالى: {وإذا ِقيْلَ لَهُم تَعَالَوا إلى مَا أنزَلَ اللهُ وإلى الرَّسولِ قَالوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عليهِ آبَاءَنَا أوَلَو كانَ آبَاؤُهُم لا يَعْلَمُونَ شيئَاً ولا يَهْتَدُونَ} (المائدة: 104)، وقدْ لَعَنَ اللهُ في القرآنِ الكَريمِ الذينَ أطَاعُوا ُكبَرَاءَهُمُ الكافرينَ وسَمَّاهُمُ اللهُ بالكافرينَ، فقالَ: {إنَّ اللهَ لَعَنَ الكافرينَ وَأعَدَّ لَهُم سَعِيرَاً * خَالِدِينَ فِيها أبَدَاً لا يَجِدُونَ وَلِيَّاً ولا نَصِيْرَاً * يَوَمَ ُتقَلَّبُ ُوجُوهُهُم في النَّاِر يَقولُونَ يَاليْتَنَا أطعْنَا اللهَ وَأطعْنَا الرَّسولاْ * وَقالوا رَبَّنَا إنَّا أطعْنَا سَادَتَنَا وُكبَرَاءَنَا فَأضَلُّونَا السَّبيْلاْ * رَبَّنَا ءَآتِهِم ِضعْفَينِ مِنَ العَذَابِ وَالعَنْهُم لَعْنَاً كَبيرَاً} (الأحزاب: 64 - 68)، ولمْ يَقبَل اللهُ عُذرَ المُسْتَضْعَفِينَ ِحيْنَ أنْحَوا باللائِمَةِ على المُسْتَكْبرينَ بلْ عَامَلَهُم اللهُ جَمِيعَاً بمَا يَسْتَحِقونَ مِنْ  عذابِ الكافرينَ، فقالَ تعالى: {وَلو تَرَى إذِ الظَّالِمُونَ مَوْقوفونَ عندَ رَبِهِم يَرْجعُ بَعْضُهُم إلى بَعْضٍ القولَ يَقولُ الذينَ اسْتُضْعِفوا للذينَ اسْتَكْبَرُوا لولا أنْتم لَكُنَّا مُؤمنينَ * قالَ الذينَ اسْتَكْبَرُوا للذينَ اسْتُضْعِفوا أنَحْنُ صَدَدْنَاكم عَنِ الهُدَى بعدَ إذ جَاءَكم بلْ ُكنتم مُجْرمِينَ * وقالَ الذينَ اسْتُضْعِفوا للذينَ اسْتَكْبَرُوا بلْ مَكْرُ الليلِ والنَّهاِر إذ تَأمُرُونَنَا أنْ نَّكفرُ باللهِ ونَجْعَلَ لهُ أنْدَادَاً وأسَرُّوا النَّدَامَةَ لمَّا رَأوا العذابَ وَجَعَلنَا الأغْلالَ في أعْنَاقِ الذينَ كَفَرُوا هلْ ُيجْزَونَ إلاَّ مَا كانوا يَعْمَلون} (سبأ: 31 - 33). 

ومَا مِنْ صَاحِبِ حَقٍّ يَدْعُوا إليهِ إلاَّ كانَ مِنَ المُجْرمِينَ مَنْ يُسَفِّهُُهُ ويُضَلِلُهُ هُوَ وأتبَاعَهُ وَيَصُدَّ النَّاسَ عَنْ اتِّبَاعِ الحّقِّ وأهَلِهِ، ولذلكَ كانَ المُضَلِلُونَ في زَمَنِ الأنْبِيَاءِ كثيرٌ، ولمْ يكنْ ذلكَ مَانِعَاً مِنْ ِقيَامِ الحُجَّةِ وَبُلوغِهَا وَوُضُوحِ المَحَجَّةِ وَبَيَانِهَا فقالَ تعالى: {يَا حَسْرَةً على العِبَادِ مَا يَأتِيْهِم مِنْ رسولٍ إلاَّ كانُوا بِهِ يَسْتَهْزؤُنَ} (يس: 30)، وقالَ تعالى: {إنَّا كذلكَ نَفْعَلُ بالمُجْرمِينَ * إنَّهم كانُوا إذا ِقيْلَ لهم لا إلهَ إلاَّ اللهُ يَسْتَكْبِرُونَ * ويَقولونَ أئِنَّا لتَاِركُوا آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُون} (الصافات: 34 - 36)، وقالَ تعالى: {كذلكَ مَا أتَى الذينَ مِنْ قَبْلِهم مِنْ رسولٍ إلاَّ قالوا سَاحِرٌ أو مَجْنُونٌ} (الذاريات: 52). 

فوُجُودُ الأئِمَّةِ المُضِلينَ لا يكونُ مَانِعَاً مِنْ تَكْفِير أنصَاِر المُرتَدِّينَ وأعَوانِهِم لِبُلوغِ الحُجَّةِ على النَّاسِ وِقيَامِهَا، لأنَّه مَا ظَهَرَ في الأرضِ قَائِمٌ للهِ بحُجَّةِ إلاَّ ظَهَرَ لهُ مَنْ يُخَالِفه ويُضَللِ النَّاسَ ويَصُدَّهُم عَنِ الحَقَِّ وأهلِهِ، قالَ اللهُ تعالى: {وكذلكَ جَعَلنَا لِكلِّ نَبيٍّ عَدُوَّاً شَيَاطِينَ الإنسِ والجنِّ يُوحِي بَعْضُهُم إلى بَعضٍ ُزخْرُفَ القولِ ُغرُورَاً ولو شَاءَ ربُّكَ مَا فَعَلوهُ فَذََرْهُم ومَا يَفتَرُونَ وَلِتَصْغَى إليهِ أفئِدَةُ الذينَ لا يُؤمنونَ بالآخرةِ ولِيَرْضُوهُ ولِيَقتَرفوا مَا هُم مُقتَِرفونَ} (الأنعام: 112 - 113)، وقالَ تعالى: {وكذلكَ جَعَلنَا في ُكلِّ قرْيَةٍ أكَاِبرَ مُجْرمِيْهَا لِيَمْكُرُوا فِيها ومَا يَمْكُرُونَ إلاَّ بأنْفُسِهِم ومَا يَشْعُرُونَ} (الأنعام: 123)، وقالَ تعالى: {وكذلكَ جَعَلنَا ِلكلِّ نَبيٍّ عَدُوَّاً مِنَ المُجْرمِينَ وَكَفَى ِبرَبِّكَ هَادِيَاً ونَصِيرَاً} (الفرقان: 31). 

والمُهِمُ أنَّه إذا وُِجدَ مَنْ يُبَيِّنَ ُكفرَ هؤلاءِ الحُكَّامِ المُبَدِّلِينَ ِلشَرْعِ اللهِ والمُوَالِينَ لليَهودِ والنَّصارى والمُظَاهِرينَ للمُشركينَ على المُسلمينَ فقدْ قَامَتْ الحُجَّة البَلاغِيَّة وإنْ ُوِجدَ مَنْ يُخَالِفُ ذلكَ مِنْ عُلماءِ السُّوءِ وأئِمَّةِ الضَّلالِ، والواجبُ على مَنْ بَلَغَتُهُ الحُجَّة أنْ يَسْعَى إلى فَهْمِهِ وَمَعْرفَتِهِ ولا يَتَّبِعُ أئِمَّةِ الضَّلالِ وعُلماءِ السُّوءِ؛ واتِّبَاعَهُم لا يكونُ حُجَّةً للجَاهِلِ ولا يُقبَلُ الإعْتِذَارُ بِهِ لإمْكَانِ دَفعَهُ والسَّعِيِّ إلى تَعَلُمِهِ والعَمَلِ بِهِ، فإذا قَصَّرَ المُكَلفُ في ذلكَ وَفَرَّطَ فيِهِ فلا ُيعْذَرُ البَتَّة، لأنَّ ذلكَ مِمَّا لا يَسَعُ عَاقلاً بَالِغَاً جَهْلهُ وباللهِ نَسْتَعِين.

والحاصلُ:
أنَّ جُنُودَ الكَفَرةِ والظَّلَمَةِ حُكْمُهُم كَحُكْمِ رُؤُوسِهِم، ودَلِيْلهُ أنَّ اللهَ سبحانه وتعالى عَامَلَ جُنْدَ فِرعَونَ مُعَامَلةَ فَِرعونَ نَفسَه حيثُ أهْلَكَهُ اللهُ هُوَ وجُنْدَهُ، فقالَ تعالى: {وقالَ فِرعونُ يَا أيُّها المَلأ مَا عَلِمْتُ لكم مِنْ إلهٍ غيري فأوْقِدْ لي يَا هَامَانُ على الطِّينِ فاجْعَل لي صَرْحَاً لَعَلي أطَّلِعُ إلى إلهِ مُوسَى وإنَّي لأظُنُّهُ مِنَ الكاذِبينَ * واسْتَكْبَرَ هُوَ وجُنُودُهُ في الأرضِ بغَير الحَقِّ وظَنُّوا أنَّهم إليْنَا لا يُرْجَعُونَ * فَأخَذنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذنَاهُم في اليَمِّ فانْظرْ كيفَ كانَ عَاقِبَة الظَّالمينَ * وجَعَلنَاهُم أئِمَّةً يَدْعُونَ إلى النَّاِر وَيَومَ القِيَامَةِ لا يُنْصَرُونَ * وأتْبَعْنَاهُم في هذِهِ الدُّنِيَا لَعْنَةً وَيَومَ القِيَامَةِ هُم مِنَ المَقبُوحِينَ} (القصص: 38 - 42)، وقالَ تعالى: {وَنُِريَ فِرعونَ وَهَامانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَا كانُوا يَحْذَرُونَ} (القصص: 6)، وقالَ تعالى: {إنَّ فِرعونَ وَهَامانَ وجُنُودَهُمَا كانُوا خَاطِئِينَ} (القصص: 8).

وقالَ تعالى: {وَفِرعونَ ذِي الأوْتَادِ} (الفجر: 10)، وقدْ فَسَّرَ المُفَسِّرُونَ الأوْتَادَ بالجُنُودِ.

فقالَ الإمامُ ابن جَريرٍ الطَّبَريُّ في تَفسِيرهِ  (واخْتَلَفَ أهلُ التَّأويلِ في مَعْنَى قولِهِ ذِي الأوْتَادِ، وَلِمَ ِقيْلَ لهُ ذلكَ، فقالَ بَعْضُهُم مَعْنَى ذلكَ ذِي الجُنُودِ الذينَ يُقَوُّوُنَ لهُ أمَرَهُ وقالوا الأوْتَادَ في هذا المَوْضِعِ الجُنُودِ... ُثمَّ ذَكَرَ مَنْ قالَ ذلكَ عَنْ ابن عبَّاسٍ رضيَ اللهُ عنه قالَ: وفِرعونَ ذِي الأوْتَادِ، قالَ الأوْتَادَ الجُنُودَ الذينَ يَشُدُّونَ لهُ أمْرَهُ...) أهـ.

وِمنَ المُفَسِّرينَ الذينَ ذَكَرُوا أنَّ الأوْتَادَ هُم جُنُودُ فِرعونَ الذينَ بِهِم ثَبَّتَ مُلكَهُ، إبن عَطِيَّة الأنْدَلسِيّ في "المُحَرّر الوَجيز.


والقرُطبيّ في تفسيره [88]، فقالَ: (أي الجُنُودِ والعَسَاكِر والجُمُوعِ والجُيُوشِ التي تَشُدُّ مُلكَهُ، قالَهُ ابن عبَّاس) أهـ.

وانْظرْ أيضاً تَفسِيرَ ابن كثيرٍ و "فتح القدير" للشَّوكاني، والرَازي في تفسيره ، والسَّعديّ في "تيسير الكريم الرحمن.

فهذِهِ الأدِلَّة تَدُلُ على أنَّ جُنُودَ الكُفَّار والمُرتَدِّينَ حُكْمُهُم حُكْمَ رُؤُوسِهِم وَقَادَتِهِم لاشتِرَاكِهِم جَميعَاً في الكفر والظلمِ والإفسَادِ، ولأنَّ الجُنُودَ هُم السَّبَبُ في تَثبِيْتِ حُكمِ الحَاكِمِ الكَافِر، وَهُم أعْوَانَهُ وأنصَارَهُ في الكُفرِ والظلمِ والإفسَادِ، لذلكَ كَمَا أنَّهم شَارَكُوهُ في ُكفرهِ وُظلمِهِ، فهُم ُشرَكَاءُ مَعَهُ في إهْلاكِهِ وعَذَابِهِ، وَحُكمُهُم جَمِيعَاً أنَّهُم ُكفَّارُ، وهذا الحُكمُ يَسِْري أيضاً على جُنُودِ الحُكَّامِ المُبَدِّلِينَ لِشَرعِ اللهِ، وباللهِ تعالى نَتَأيَّدْ.
شبهات حول موانع التكفير للجنود والرد عليها للعالم الأسير سيد إمام فرج الله عنه وعن إخوته المسجونيين :

هناك أمـور قد يظنها البعض مـوانع من التكفـير وليست كذلك، وأشـرت إلى بعضـها عند الكـلام في الموانع في شرح قاعدة التكفير، وسيأتي ذكر بعضها في القسم التالي (نقد الرسالة الليمانية) ومنها:

1 ــ كـون جنـود المـرتـدين وأنصـارهم يعتقدون أنهم مؤمنون أو أنهم على حق ٍ في نصرتهم للحاكم المرتد وقتالهم للمسلمين، كل هذا لايمنع من تكفيرهم ماداموا قد أتوا بسبب الكفر من قول أو فعل مكفر. ودليله قوله تعالى (قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا الذين ضل سعيُهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا) الكهف 104، وقوله تعالى (إنهم اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله ويحسبون أنهم مهتدون) الأعراف 30، وقوله تعالى (وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هوداً أو نصارى) البقرة 111، والآيات في هذا المعنى كثيرة جداً، وتقييد التكفير بالاعتقاد هو مذهب غلاة المرجئة كما سبق تقريره، وإلا فالحكم بالكفر في الدنيا يترتب على الأقوال والأفعال الظاهرة. 
بقي أن نقول: إن إحسـان الكافر ظنه بنفسه إنما هو عقوبة من الله له على إعراضه عن الحق فيظن أنه على الهدى فيتمادى في كفرِه وضلاله كما قال تعالى (ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين، وإنهم ليصدونهم عن السبيل ويحسبون أنهم مهتدون) الزخرف 36 ــ 37، وقوله تعالى (أفمن زُيِّن له سوء عمله فرآه حسناً) فاطر 8، ومثلها الأنعام 122، وقوله تعالى (فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم) الصف 5، ومثلها مريم 75، والآيات في هذا المعنى كثيرة.
2 ــ وليـس من مـوانع التكفـير كـون جنـود المـرتـدين يُقِرَّون بالشهادتين أو يُصلّون، فهم لم يكفروا من جهة الامتناع عن الإقرار أو الصلاة، وإنما كفروا بسبب آخر وهو نصرة الحاكم الكافر وعلى هذا فلو نطق أحدهم بالشهادتين حال قتله أو قتاله فإن هذا لايمنع من قتله لأنه لا يُقَاتَل على الشهادتين بل لكفره بسبب آخر، وأعود فأنبّه على ماذكرته في شرح قاعدة التكفير من أن العبد لايؤمن إلا بمجموع خصال من شُعب الإيمان ولكنه يكفر بخصلة واحدة من شعب الكفر الأكبر. ومما يجلي عنك هذه الشبهة قوله تعالى (قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزءون، لاتعتذورا قد كفرتم بعد إيمانكم) التوبة 65 ــ 66، فهؤلاء الذين أنزلت فيهم هذه الآيات كانوا في غزوة تبوك مع النبي صلى الله عليه وسلم فهم إذن كانوا يجاهدون وكانوا يصلون ولهذا أثبت الله أن معهم إيمانا (قد كفرتم بعد إىمانكم)، ولكنهم كفروا بكلمة قالوها وهو الاستهزاء الذي وقع منهم. وأيضا قوله تعالى (ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم) التوبة 74، فأثبت الله أنهم كانوا مسلمين ولايكونون كذلك إلا بالإقرار وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وغيرها من واجبات الدين، ومع ذلك فقد أكفرهم الله بكلمة ٍ قالوها (ولقد قالوا كلمة الكفر، وكفروا). وإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال لأسامة بن زيد (أقتلته بعدما قال لا إله إلا الله) الحديث متفق عليه، فإن هذا في الكافر الأصلي يُكفّ عنه ويُتبين أمره بعدها هل التزم بما توجبه هذه الشهادة من العمل؟، وهو معنى قوله تعالى (إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا) النساء 94، وهو معنى قوله صلى الله عليه وسلم (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها) رواه مسلم والحديث له روايات أخرى معروفة واستوعبها ابن حجر في شرح كتاب استتابة المرتدين بالبخاري، ومعنى (إلا بحقها) أو (إلا بحق الإسلام) فمن حقها الكفر بالطاغوت وأداء الفرائض واجتناب النواهي، فمن قصّر في هذا يحكم عليه بالكفر أو بالفسق بحسب ماقصّر فيه. فليس المراد بالشهادة مجرد القول بل المراد تحقيق معناها خاصة ماتدل عليه من النفي والاثبات وهو الكفر بالطاغوت والإيمان بالله وحده، كما قال تعالى (إنهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون ويقولون أئِنا لتاركوا آلهتنا لشاعر ٍ مجنون) الصافات 35 ــ 36 فالكفار علموا أن المراد من شهادة (أن لا إله إلا الله) ليس مجرد القول بل المراد ترك عبادة غير الله (أئنا لتاركوا آلهتنا) أي ترك الكفر، فويل ٌُ لمن كان الكفار أفقه منه، وويل لمن كان أجهل من الكفار، فمن قال لا إله إلا اللـه وفَعَل المكفــرات لم يأت بالمراد، ويُحكم عليه بالكفر ويحل دمه وماله كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لايحل دم امريء مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة) متفق عليه، والتارك لدينه هو المرتد، وقد دل الحديث على أن المسلم المقر بالشهادتين قد يرتد إذا أتى بسبب من أسباب الردة.
والخلاصــة: أن من أتى بســبب الكــفــر ــ من قــول ٍ أو فعل ٍ ــ كفر بذلك وإن كان مصليا مزكيا صائما مجاهداً. وفي هذا قال ابن تيمية رحمه الله (وبالجملة فمن قال أو فعل ماهو كُفْر كَفَر بذلك، وإن لم يقصد أن يكون كافراً، إذ لايقصد الكفر أحدٌُ إلا ماشاء الله) (الصارم المسلول) صـ 177 ــ 178.

3ــ وليس من موانع التكفير كون جنود المرتدين مستضعفين لاحيلة لهم مع حكامهم، فالاستضعاف لا يسوِّغ لهم نصرة الكافر والخروج في صفه لقتال المسلمين، بل قد سبق القول بأن الإكراه الملجيء ولو تحققت شروطه لايرخص في قتل المسلمين أو قتالهم وهو مايفعله هؤلاء المجرمون.
أما الاستضعاف فإنه يرخّص في مثل ترك الانكار على الحكام المرتدين باليد واللسان مع الانكار بالقلب، أو يرخّص في مدارة الكفار وملاينتهم لاموالاتهم، وسيأتي بيان الفرق بين المداراة والموالاة في القسم التالي إن شاء الله. كما يرخص الاستضعاف في مثل ترك الهجرة من بين الكفار للعجز.
وليـس كـل مستضـعف ٍ بين الكفار يكون معذوراً، بل لايُعذر ولايأثم إلا المستضعف المؤمن المميِّز للحق من الباطل الذي يدعو الله أن ينجيه من الكافرين وأن ينصر أولياءه المجاهدين. أما المستضعف المتابع للكافرين في إفسادهم فهذا مجرم من أهل النار، وقد ذكر الله النوعين من المستضعفين في كتابه العزيز:
فذكـر المستضعفـين المؤمـنين وصِفتـهم في قوله تعالى (والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالِم أهلها واجعل لنا من لدنك ولياً واجعل لنا من لدنك نصيراً) النساء 75.
وذكــر جـل شـأنه المستضعـفين المجـرمين وصفتهـم في قوله (وإذا يتحاجّون في النـار فيقـول الضعفـاء للذين استكبـروا إنا كنا لكم تبعاً فهل أنتم مُغْنون عَنَّا نصيباً من النار، قال الذين استكبروا إنا كلٌُ فيها إن الله قد حَكَم بين العباد) غافر 47 ــ 48، وقوله تعالى (ولو ترى إذ الظالمون موقوفون عند ربهم يَرجعُ بعضهم إلى بعض ٍ القول يقول الذين استضعفوا للذين استكبروا لولا أنتم لكنا مؤمنين قال الذين استكبروا للذين استضعفوا أنحن صددناكم عن الهدى بعد إذ جاءكم، بل كنتم مجرمين، وقال الذين استضعفوا للذين استكبروا بل مَكر الليل والنهار إذ تأمروننا أن نكفر بالله ونجعل له أنداداً، وأسّروا الندامة لما رأوا العذاب، وجعلنا الأغلال في أعناق الذين كفروا، هل يجزون إلا ماكانوا يعملون) سبأ 31 ــ 33 فالاستضعاف لايرخص في متابعة الكافر المتكبر من حاكم وغيره ولا يرخص في طاعته في الكفر بصوره المختلفة والتي منها محاربة الإسلام والمسلمين، بل لو أطاعه في هذا لكَفَر مثله وصار من أهل النار مادام قد بلغه الهدى وسمع به.
وقـد كـان المسلمـون مستضعفـين بمكـة قبل الهجرة كما وصفهم الله بقوله تعالى (واذكروا إذ أنتم قليل ٌُ مستضعفون في الأرض تخافون أن يتخطفكم الناس، فآواكم وأيدكم بنصره ورزقكم من الطيبات لعلكم تشكرون) الأنفال 26، ومع ذلك لم يرخص الله تعالى لهم حينئذ في شيء من طاعة الكفار كما قال تعالى (فلا تطع المكذبين ودّوا لو تُدهن فيُدهنون) القلم 8 ــ 9، ولم يرخص لهم في شيء من الكفر (إلا من أكرِهَ وقلبه مطمئن بالإيمان) النحل 106.

وخلاصــة القــول في هذه المسألـة (حكـم أنصار الطـواغيت) وهم هنا أنصارالحكام المرتدون: أن كل من نَصَر الحكام المرتدين وأعانهم على محاربة الإسلام والمسلمين بالقول أو بالفعل فهو كافر في الحكم الظاهر، والردء والمباشر في هذا الحكم سواء ولو لم يكن كذلك لقلنا بكفر من يباشر قتال المسلمين فقط من جنود الحاكم المرتد ولكن قد دلت القواعد الشرعية على أن كل فرد في الممتنعين له حكم الطائفة، وأن الردء له حكم المباشر في القتال، وقد يكون فيهم مسلمون في الباطن إذا قامت في حقهم موانع معتبرة من التكفير، ولايلزمنا البحث عن هذه الموانع لكونهم ممتنعين عن القدرة، وإنما يبحث عنها من كانت له معاملة خاصة مع بعضهم بسبب مخالطتهم للمسملين في نفس الدار،فمن علم من أحدهم مانعا معتبراً عامله كمسلم وهو عندنا كافر في الحكم الظاهر مادام في صف الحكام المرتدين.
هذا، ويجب نشر علم هذه المسألة (حكم أنصار الحكام المرتدين) بين عموم المسلمين، ففي نشرها خير عظيم بإذن الله تعالى وفي نشرها تعجيل بزوال دولة الحكام المرتدين وضعف شوكتهم وذهاب ريحهم، فإن كثيراً من جنود المرتدين لايعلمون حكمهم ولاحكم حكامهم في الشريعة وأنهم كفار، ولو علموا ذلك فلربما انقلب كثير من الجنود على حكامهم أو ساعدوا على ذلك، (ولله جنود السماوات والأرض وكان الله عزيزاً حكيما) الفتح 7، (ومايعلم جنود ربك إلا هو) المدثر 31، ويقع عبء نشر علم هذه المسألة على كل مسلم عَلِمَها وبصفة خاصة الدعاة وأهل العلم منهم.
قاعدة مهمة جدا في بحثنا هذا وهي
(أن الفرد له حكم الطائفة في الممتنعين عن القدرة )- دلّ عليه الكتاب والسنة والإجماع. 

أ) أما الكتاب: فالدليل قوله تعالى: {إن فرعون وهامان وجنودهما كانوا خاطئين} [القصص: 8]، وقوله تعالى: {ونُرِيَ فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون} [القصص: 6]، وقوله تعالى: {فأخذناه وجنوده فنبذناهم في اليمَ فانظر كيف كان عاقبة الظالمين} [القصص: 40]، وقوله تعالى: {وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار ويوم القيامة لا يُنصرون} [القصص: 41].

والآيات تبين أن الأتباع؛ {جنودهما}، لهم حكم المتبوعين، {فرعون وهامان}؛ فقد سوّى الله تعالى بينهم في الإثم، {كانوا خاطئين}، وفي الوعيد {ما كانوا يحذرون}، وفي العقوبة الدنيوية {فنبذناهم في اليم}، وفي العقوبة الأخروية {ويوم القيامة لا ينصرون}، ووصفهم الله جميعا بأنهم {أئمة يدعون إلى النار}، ولم يفرق بين تابع ومتبوع، ولم يصف الأتباع إلا بأنهم جنود المتبوع، وإنما استحقوا حكم المتبوع لمشاركتهم له في إجرامه وإفساده، إذ لم يكن المتبوع ليتمكن من الإجرام إلا بجنوده الذين يطيعونه وينفذون إرادته، وهكذا جنود الطاغية في كل زمان ومكان. 

فإن قيل؛ إنه لا حجة في هذه الآيات على تكفير جنود الحكام المرتدين وفيهم من يُظهر الإسلام لأن جنود فرعون كانوا كفاراً أصليين .

فالجواب:

أن النص على كفر جنود الحكام المرتدين مستفاد من الأدلة السابقة من الكتاب والسنة والإجماع ولا يؤثر في هذا الحكم إظهار بعضهم للإسلام، لأنه لا يحكم لشخص بالإسلام الحكمي بإظهاره لعلامات الإسلام إلا إذا لم يقترن ذلك بناقض من نواقض الإسلام، وهنا اقترن ظهور علامات الإسلام من بعضهم بناقض وهو نصرة الكفار على كفرهم وعلى المسلمين. 

أما الآيات المذكورة هنا؛ فوجه الاستدلال بها على كفر جنود المرتدين هو من جهة دلالة هذه الآيات على التسوية بين التابع والمتبوع من كل الوجوه، ولم يجعل الله تعالى سبب هذه التسوية مشابهة معتقد التابع لمعتقد المتبوع، بل لم تُشِر الآيات أدنى إشارة إلى معتقد الأتباع، وإنما جعل الله مناط هذه التسوية هو مجرد المتابعة في الفعل لا الموافقة في الاعتقاد، ولم يصفهم الله في جميع هذه الآيات إلا بأنهم جنود فرعون. وحَصْر التكفير في الكفر بالاعتقاد فقط هو مذهب المرجئة وعلى الصحيح فإن الكفر يقع بالقول والفعل والاعتقاد، وجنود الحكام المرتدين الذين ينصرونهم بالقول والفعل إنما كفروا بالقول والفعل دون النظر في معتقدهم. 

والصحابة رضي الله عنهم عندما سمّوا أتباع أئمة الردة بالمرتدين وحكموا بكفرهم إنما حكموا عليهم بمجرد إتباعهم لأئمة الردة ونصرتهم لهم بالقول والفعل والقتال معهم، لا لأنهم اختبروا معتقدهم، فإن هذا لم يقع ولم يثبت من جهة النقل، وقد سبق أن ذكرت قول ابن تيمية إن أتباع مسيلمة كانوا نحو مائة ألف أو أكثر ، فكيف يتأتى تبين معتقد هذا العدد مع امتناعهم عن القدرة؟ فضلا عن غيرهم من أتباع طليحة وسجاح والعنسي وغيرهم، ولو توقف الحكم عليهم على تبين معتقدهم لأفضى هذا إلى إبطال الجهاد.

وبهذا تعلم أن كفر أنصار المرتدين هو من جهة القول والفعل لا من جهة الاعتقاد. 

بل قد ذكر ابن جرير الطبري رحمه الله ما يبين أن بعض أتباع مسيلمة كان يُقر بكذبه، فقال: (كتب إلىّ السريّ قال: حدثنا شعيب عن سيف عن خُلَيد بن ذفرة النمري عن عمير بن طلحة النمري عن أبيه، أنه جاء اليمامة فقال: أين مسيلمة؟ قالوا: مَهْ رسول الله! فقال: لا، حتى أراه، فلما جاءه، قال: أنت مسيلمة؟ قال: نعم، قال: من يأتيك؟ قال: رحمن، قال: أفي نور أو في ظُلمة؟ فقال: في ظُلمه، فقال: أشهد أنك كذّاب وأن محمداً صادق، ولكن كذّاب ربيعة أحب إلينا من صادق مُضر، فقُتِل معه يوم عقرباء)، وفي رواية: (قال: كذّاب ربيعة أحب إليّ من كذاب مُضَر) أهـ. 

والحاصل:

أن الصحابة لم يتبيّنوا معتقد أنصار أئمة الردة، ولم يكن هذا ممكناً للمنعة القائمة، وإنما حكموا بردتهم بسبب النصرة والمعاونة وهذا يوجب التسوية بينهم وبين أئمتهم ورءوسهم في الأحكام كما سوّى الله بين فرعون وجُنده. 

ب) وأما السنة: فالدليل على أن الفرد له حكم الطائفة في الممتنعين هو إجراء النبي صلى الله عليه وسلم حكم الكفار على عمِّه العباس لما خرج مع جيش المشركين للقتال يوم بدر، رغم دعواه الإسلام والإكراه، وأنه قد توجّب الحكم عليه بمجرد فعله لا بالنظر في معتقده. فدلّ على أن الفرد له حكم الطائفة. وقد ذكرنا حديثه من قبل. 

ج) وأما الإجماع: فدليله إجماع الصحابة المذكور في الدليل الأول على تكفير أنصار أئمة الردة في عهد أبي بكر رضي الله عنه. ولم يفرقوا في ذلك بين تابع ومتبوع. 

ومن هذا تعلم أنه في الممتنعين يجري على الفرد حكم الطائفة الذي هو حكم رءوسها، كما قال تعالى: {يوم ندعو كل أناس بإمامهم} [الإسراء: 71]، فأنصار الحكام المرتدين الحاكمين بغير شريعة الإسلام في زماننا هذا هم مرتدون حكمهم حكم أئمتهم، وهذا الحكم يجري على الأنصار على التعيين أي أن كل منهم كافر بعينه، ودليل تكفيرهم على التعيين حكم النبي صلى الله عليه وسلم على عمه العباس على التعيين، وإجماع الصحابة على تكفير من مات من أنصار المرتدين؛ (وقتلاكم في النار)، ولاشك في أن القتلى معيَّنون. 

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في تقرير هذه القاعدة (والطائفة إذا انتصر بعضها ببعض حتى صاروا ممتنعين فهم مشتركون في الثواب والعقاب إلى قوله فأعوان الطائفة الممتنعة وأنصارها منها فيما لهم وعليهم إلى قوله لأن الطائفة الواحدة الممتنع بعضها ببعض كالشخص الواحد) أهـ.
سئل شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله عن عسكر التتار وحكم جهادهم؟ 

فأجاب: (فهؤلاء القوم المسؤول عنهم عسكرهم مشتمل على قوم كفار من النصارى والمشركين، وعلى قوم منتسبين إلى الإسلام وهم جمهور العسكر ينطقون بالشهادتين إذا طُلبت منهم، ويعظمون الرسول، وليس فيهم من يُصلي إلا قليل جداً، وصوم رمضان أكثر فيهم من الصلاة، والمسلم عندهم أعظم من غيره، وللصالحين من المسلمين عندهم قدر، وعندهم من الإسلام بعضه، وهم متفاوتون فيه، لكن الذي عليه عامتهم والذي يُقاتلون متضمن لترك كثير من شرائع الإسلام أو أكثرها، فإنهم أولاً يوجبون الإسلام ولا يُقاتلون من تركه، بل من قاتل على دولة المغول عظموه وتركوه وإن كان كافراً عدواً لله ورسوله، وكل من خرج عن دولة المغول أو عليها استحلوا قتاله وإن كان من خيار المسلمين. 

فلا يُجاهدون الكفار ولا يُلزمون أهل الكتاب بالجزية والصغار، ولا ينهون أحداً من عسكرهم أن يعبد ما شاء من شمس أو قمر أو غير ذلك، بل الظاهر من سيرتهم أن المسلم عندهم بمنزلة العدل أو الرجل الصالح، والكافر عندهم بمنزلة الفاسق في المسلمين! 

وكذلك عامتهم لا يحرمون دماء المسلمين وأموالهم إلا أن ينهاهم عنها سلطانهم؛ أي لا يلتزمون تركها، وإذا نهاهم عنها أو عن غيرها أطاعوه لكونه سلطاناً لا بمجرد الدين، وعامتهم لا يلتزمون الواجبات، ولا يلتزمون الحكم بينهم بحكم الله، بل يحكمون بأوضاع لهم توافق الإسلام تارةً وتخالف أخرى! 

وقتال هذا الضرب واجب بإجماع المسلمين، وما يشك في ذلك من عرف دين الإسلام وعرف حقيقة أمرهم، فإن هذا السلم الذي هم عليه ودين الإسلام لا يجتمعان أبداً) اهـ. 

وقال أيضاً رحمه الله (كل من قفز إليهم يعني إلى التتار من أمراء العسكر وغير الأمراء فحكمه حكمهم، وفيهم من الردة عن شرائع الإسلام بقدر ما ارتد عنه من شرائع الإسلام، وإذا كان السلف قد سموا مانعي الزكاة مرتدين مع كونهم يصومون ويصلون ولم يكونوا يقاتلون جماعة المسلمين، فكيف بمن صار مع أعداء الله ورسوله قاتلاً للمسلمين؟). 

وقال رحمه الله: (من حالف شخصاً على أن يوالي من والاه ويُعادي من عاداه كان من جنس التتر المجاهدين في سبيل الشيطان، ومثل هذا ليس من المجاهدين في سبيل الله تعالى، ولا من جند المسلمين، ولا يجوز أن يكون هؤلاء من عسكر المسلمين، بل هؤلاء من عسكر الشيطان)
 قال أبو محمد المقدسي فك الله أسره 

تنبيه: إلى أن قاعدة؛ "الأصل في جيوش الطواغيت وأنصارهم الكفر"، لا غبار عليها؛ فإن القاعدة عندنا أن الأصل فيهم الكفر، حتى يظهر لنا خلاف ذلك، إذ أن هذا التأصيل قائم على النص ودلالة الظاهر لا على مجرد التبعية للدار، فإن الظاهر في جيوش الطواغيت وشرطتهم ومخابراتهم وأمنهم أنهم من أولياء الشرك وأهله المشركين. 

فهم العين الساهرة على القانون الوضعي الكفري، الذين يحفظونه ويثبتونه وينفذونه بشوكتهم وقوتهم. 

وهم أيضا الحماة والأوتاد المثبتين لعروش الطواغيت والذين يمتنع بهم الطواغيت عن التزام شرائع الإسلام وتحكيمها. 

وهم شوكته وأنصاره الذين يعينونه وينصرونه على تحكيم شرائع الكفر وإباحة المحرمات من ردة وربا، وخمر وخنا، وغير ذلك. 

وهم الذين يدفعون في نحر كل من خرج من عباد الله منكرا كفر الطواغيت وشركهم، ساعيا لتحكيم شرع الله ونصرة دينه المعطل الممتهن... 

فهذه حقيقة وظيفتهم ومنصبهم وعملهم؛ يتلخص في سببين من أسباب الكفر صريحين، وهما:
نصرة الشرك، بتولي القانون والتشريع الكفري الطاغوتي .
ونصرة أهله وتوليهم ومظاهرتهم على الموحدين. 

والنصوص الدالة على أن هذان سببان من أسباب الكفر البواح ظاهرة متضافرة، وقد فصلناها في غير هذا المقام، وليس مقصودنا هاهنا تفصيل هذا، وإنما التنبيه إلى الأصل المذكور، فقد أصل الله سبحانه وتعالى لنا في أنصار الكفار وأوليائهم عموما، أصلا محكما في قوله تبارك وتعالى: {الذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت}، وقوله سبحانه: {ومن يتولهم منكم فإنه منهم}، فالأصل في كل من أظهر تولي الكفار ونصرتهم أو قاتل في سبيل الطاغوت أو كان في عدوته وحدّه وأظهر نصرته باللسان أو السنان؛ أنه من جملة الذين كفروا... ولذلك كان حال النبي صلى الله عليه وسلم وسيرته مع الكفار المحاربين وفي أنصارهم وأوليائهم وأحلافهم الذين ينصرونهم على المسلمين؛ على هذا الأصل. 

أنظر على سبيل المثال معاملته صلى الله عليه وسلم للعباس معاملة الكفار رغم دعواه الإسلام لما أسر في صفوف المشركين يوم بدر، وانظر مثل هذا أيضا ما رواه مسلم في كتاب النذور [1008] من المختصر من حديث عمران بن حصين في قصة الرجل من بني عقيل حلفاء ثقيف، لما أسره المسلمون بجريرة حلفائه لما نقضت ثقيف عهدها مع النبي صلى الله عليه وسلم... ولم يطلقه النبي صلى الله عليه وسلم رغم ادعائه الإسلام بل عامله معاملة الكفار فغنم ناقته وفداه برجلين من المسلمين. 

وعليه كانت سيرة أصحابه صلى الله عليه وسلم من بعده في كل ذوي منعة وشوكة يخرجون عن شريعة الله تبارك وتعالى، أنظر سيرتهم في خلافة أبي بكر في أنصار مسيلمة الكذاب ونحوهم من المرتدين كأنصار طليحة الأسدي فقد كفروهم جميعا وساروا فيهم سيرة واحدة ولم يخالف في ذلك أحد من الصحابة، ولذلك أطلق العلماء المحققين القول بإباحة دم ومال المحاربين وأنصارهم وجعلوا حكم الردء فيهم حكم المباشر منهم 

وفي المغني "كتاب الجهاد"]: "فصل؛ من أسر فادعى أنه كان مسلما، لم يقبل قوله إلا ببينة، لأنه يدعي أمرا الظاهر خلافه..." أهـ. وذكر فيه قصة سهل بن بيضاء في غزوة بدر. 

فتأمل كيف جعل الأصل فيمن أظهر الانحياز لجيش الكفار حتى أسر في صفهم، الكفر، بحيث لا تقبل الدعوى بخلافه – كما في قصة أسر العباس أيضا – حتى تقوم بينة تغير هذا الأصل الظاهر. 

ولأجل ذلك كان الأصل عندنا في كل من انتسب إلى هذه الأجهزة والوظائف، التي حقيقتها، نصرة الشرك وأهله؛ الكفر. فنحكم على كل واحد منهم بالكفر ونجري عليه أحكام الكفر بما أظهروه من أسباب الكفر، ما لم يتبين لنا خلاف ذلك من قيام مانع معتبر من موانع التكفير في حق المنتسب للإسلام منهم فنستثنيه... وقد قدمنا أن تبين الموانع في حق الممتنعين المحاربين، غير واجب لامتناعهم ومحاربتهم، لكن إن ظهر لنا شيء من ذلك في حق بعضهم لم نكفره، وما لم يظهر ذلك فالأصل الظاهر عندنا منهم هو الكفر، وحقيقة أمر باطنهم إلى الله تبارك وتعالى، وليس إلينا، وقد أمرنا بالأخذ بالظاهر، ولم نؤمر أن نشق عن صدور الناس ولا عن بطونهم، ولأن أصل هذه الوظائف وظاهرها ما قد عرفت فنحن نعاملهم ونؤصل لهم على هذا الظاهر حتى يظهر لنا خلافه، بخلاف غير ذلك من الوظائف والأعمال التي ليس أصل طبيعتها وحقيقتها نصرة الشرك أو أهله؛ ولذلك فلا نقول أن الأصل في الأطباء مثلا الكفر، حتى يتبين لنا خلاف ذلك، ولا أن الأصل في المدرسين الكفر، أو أن الأصل في تولي وظائف الدولة الكافرة كلها الكفر... كلا فهذه الوظائف ليست حقيقة جميعها وطبيعتها نصرة الشرك وأهله، نعم قد يوجد فيمن يتولى هذه الوظائف من هو من أنصار الشرك وأهله ولكن هذا ليس مختصا بحقيقة الوظيفة وماهيتها، كما قد يوجد من هو من أنصار الشرك وأهله من غير الموظفين... 

والخلاصة: أن هذا التأصيل إذا كان في وظيفة أو عمل حقيقته أنه سبب من أسباب الكفر الظاهرة، كنصرة الشرك وأهله، أو التشريع وفقا لنصوص الدستور الكفري، ونحو ذلك من المكفرات الصريحة الظاهرة، فلا حرج فيه عندنا، ومعناه: إجراء حكم الظاهر على أصحاب هذه الوظيفة، وإرجاء ما بطن من الأحكام إلى الله تبارك وتعالى). اهـ.  

وقال الشيخ أحمد شاكر رحمه الله في "بيان إلى الأمة المصرية خاصة وإلى الأمة العربية والإسلامية عامة، في بيان حكم التعاون مع الإنجليز والفرنسيين أثناء عدوانهم على المسلمين" 
(أما التعاون مع الإنجليز, بأي نوع من أنواع التعاون, قلّ أو كثر, فهو الردّة الجامحة، والكفر الصّراح, لا يقبل فيه اعتذار, ولا ينفع معه تأول, ولا ينجي من حكمه عصبية حمقاء، ولا سياسة خرقاء, ولا مجاملة هي النفاق, سواء أكان ذلك من أفراد أو حكومات أو زعماء، كلهم في الكفر والردة سواء, إلا من جهل وأخطأ, ثم استدرك أمره فتاب وأخذ سبيل المؤمنين, فأولئك عسى الله أن يتوب عليهم, إن أخلصوا لله، لا للسياسة ولا للناس. 

وأظنني قد استطعت الإبانة عن حكم قتال الإنجليز وعن حكم التعاون معهم بأي لون من ألوان التعاون أو المعاملة, حتى يستطيع أن يفقهه كل مسلم يقرأ العربية، من أي طبقات الناس كان, وفي أي بقعة من الأرض يكون. 

وأظن أن كل قارئ لا يشك الآن, في أنه من البديهي الذي لا يحتاج إلى بيان أو دليل: أن شأن الفرنسيين في هذا المعنى شأن الإنجليز, بالنسبة لكل مسلم على وجه الأرض, فإن عداء الفرنسيين للمسلمين، وعصبيتهم الجامحة في العمل على محو الإسلام, وعلى حرب الإسلام، أضعاف عصبية الإنجليز وعدائهم, بل هم حمقى في العصبية والعداء, وهم يقتلون إخواننا المسلمين في كل بلد إسلامي لهم فيه حكم أو نفوذ, ويرتكبون من الجرائم والفظائع ما تصغر معه جرائم الإنجليز ووحشيتهم وتتضاءل, فهم والإنجليز في الحكم سواء, دماؤهم وأموالهم حلال في كل مكان, ولا يجوز لمسلم في أي بقعة من بقاع الأرض أن يتعاون معهم بأي نوع من أنواع التعاون, وإن التعاون معهم حكمه حكم التعاون مع الإنجليز؛ الردة والخروج من الإسلام جملة, أيا كان لون المتعاون معهم أو نوعه أو جنسه. 

وما كنت يوما بالأحمق ولا بالغر, فأظن أن الحكومات في البلاد الإسلامية ستستجيب لحكم الإسلام فتقطع العلاقات السياسية أو الثقافية أو الاقتصادية مع الإنجليز أو مع الفرنسيين. 

ولكني أراني أبصر المسلمين بمواقع أقدامهم, وبما أمرهم الله به, وبما أعدّ لهم من ذل في الدنيا وعذاب في الآخرة إذا أعطوا مقاد أنفسهم وعقولهم لأعداء الله. 

وأريد أن أعرفهم حكم الله في هذا التعاون مع أعدائهم, الذين استذلوا وحاربوهم في دينهم وفي بلادهم, وأريد أن أعرفهم عواقب هذه الردة التي يتمرغ في حمأتها كل من أصر على التعاون مع الأعداء. 

ألا فليعلم كل مسلم في أي بقعة من بقاع الأرض؛ أنه إذ تعاون مع أعداء الإسلام مستعبدي المسلمين, من الإنجليز والفرنسيين وأحلافهم وأشباههم, بأي نوع من أنواع التعاون, أو سالمهم فلم يحاربهم بما استطاع، فضلاً عن أن ينصرهم بالقول أو العمل على إخوانهم في الدين, إنه إن فعل شيئاً من ذلك ثم صلى فصلاته باطلة, أو تطهر بوضوء أو غسل أو تيمم فطهوره باطل, أو صام فرضاً أو نفلاً فصومه باطل, أو حج فحجه باطل, أو أدى زكاة مفروضة, أو أخرج صدقة تطوعاً فزكاته باطلة مردودة عليه, أو تعبد لربه بأي عبادة فعبادته باطلة مردودة عليه، ليس له في شيء من ذلك أجر بل عليه فيه الإثم والوزر. 

ألا فليعلم كل مسلم؛ أنه إذا ركب هذا المركب الدنيء حبط عمله, من كل عبادة تعبد بها لربه قبل أن يرتكس في حمأة هذه الردة التي رضي لنفسه, ومعاذ الله أن يرضى بها مسلم حقيق بهذا الوصف العظيم يؤمن بالله وبرسوله. ذلك بأن الإيمان شرط في صحة كل عبادة, وفي قبولها, كما هو بديهي معلوم من الدين بالضرورة، لا يخالف فيه أحد من المسلمين. 

وذلك بأن الله سبحانه يقول: {وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْأِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [المائدة، من الآية: 5]، وذلك بأن الله سبحانه يقول: {وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة، من الآية: 217]، وذلك بأن الله تعالى يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ، فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ، وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَهَؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خَاسِرِين}، وذلك بأن الله سبحانه يقول: {إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ، ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُم ْ، فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ، ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ، أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ، وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ، وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ، إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَشَاقُّوا الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئاً وَسَيُحْبِطُ أَعْمَالَهُمْ، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُم ْ، إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ مَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ، فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 25 - 35]. 

إلا فليعلم كل مسلم وكل مسلمة؛ أن هؤلاء الذين يخرجون على دينهم ويناصرون أعداءهم، من تزوج منهم فزواجه باطل بطلاناً أصلياً، لا يلحقه تصحيح، ولا يترتب عليه أي أثر من آثار النكاح، من ثبوت نسب وميراث وغير ذلك، وأن من كان منهم متزوجاً بطل زواجه كذلك وأن من تاب منهم ورجع إلى ربه وإلى دينه، وحارب عدوه ونصر أمته، لم تكن المرأة التي تزوجها حال الردة ولم تكن المرأة التي ارتدت وهي في عقد نكاحه زوجاً له، ولا هي في عصمته، وأنه يجب عليه بعد التوبة أن يستأنف زواجه بها فيعقد عليها عقداً صحيحاً شرعياً، كما هو بديهي واضح. 

ألا فليحتط النساء المسلمات، في أي بقعة من بقاع الأرض؛ ليتوثقن قبل الزواج من أن الذين يتقدمون لنكاحهن ليسوا من هذه الفئة المنبوذة الخارجة عن الدين، حيطةً لأنفسهن ولأعراضهن، أن يعاشرن رجالاً يظنونهن أزواجاً وليسوا بأزواج، بأن زواجهم باطل في دين الله، ألا فليعلم النساء المسلمات، اللائي ابتلاهن الله بأزواج ارتكسوا في حمأة هذه الردة، أنه قد بطل نكاحهن، وصرن محرمات على هؤلاء الرجال ليسوا لهن بأزواج، حتى يتوبوا توبة صحيحة عملية ثم يتزوجوهن زواجاً جديداً صحيحاً. 

ألا فليعلم النساء المسلمات؛ أن من رضيت منهن بالزواج من رجل هذه حالة وهي تعلم حاله، أو رضيت بالبقاء مع زوج تعرف فيه هذه الردة فإن حكمها وحكمه في الردة سواء. ومعاذ الله أن ترضى النساء المسلمات لأنفسهن ولأعراضهن ولأنساب أولادهن ولدينهن شيئاً من هذا. 

ألا إن الأمر جد ليس بالهزل، وما يغني فيه قانون يصدر بعقوبة المتعاونين مع الأعداء, فما أكثر الحيل للخروج من نصوص القوانين, وما أكثر الطرق لتبرئة المجرمين, بالشبهة المصطنعة، وباللحن في الحجة. ولكن الأمة مسؤولة عن إقامة دينها، والعمل على نصرته في كل وقت وحين، والأفراد مسؤولون بين يدي الله يوم القيامة عما تجترحه أيديهم، وعما تنطوي عليه قلوبهم. 

فلينظر كل امرئ لنفسه، وليكن سياجاً لدينه من عبث العابثين وخيانة الخائنين، وكل مسلم إنما هو على ثغر من ثغور الإسلام، فليحذر أن يؤتى الإسلام من قبله، وإنما النصر من عند الله، ولينصرن الله من ينصره).
وأخيرا نقول لمن كان جنديا في جيش الطاغوت أن يترك هذا الجيش قبل فوات الأوان ,وأن يلتحق بركب المجاهدين فيفوز بعز الدنيا ورضى الله جل جلاله.وأختم  الرسالة بأشياء تميز جند الله عن جند الطاغوت وهي بمثابة قواعد أساسية عند المجاهدين لا يضيع من تمسك بها وأيقن محتواها وهي
صفات جند الطاغوت
 1-لا يقاتلون في سبيل الله انما يقاتلون في سبيل الطاغوت 

 2-ولاؤهم للطاغوت.فهم عيونه الساهرة وجنده الحارسة يدافعون عنه يفرحون لفرحه ويحزنون لحزنه

3-هم الذين سماهم بكتابه :{يقاتلون في سبيل الطاغوت}اي طاغوت كان سواء كان صنم او حجر او شجر او قصر او ملك او قانون فهو قتال في سبيل الطاغوت

4-كل قتال لاعلاء كلمة الكفر كفر برب الأرض والسماء من اي شخص كان واي قطر كان واي قبيلة كان… 

5-هم الذين يحمون اليهود والصليبين من غارات المجاهدين فهم الدرع الواقي لهم

6-هم الذين يطاردون ويأسرون ويعذبون المسلمين 

7- هم الذين ينتهكون حرمات وأعراض وأموال وخيرات المسلمين 

8-هم الذين يهدمون المساجد على أهلها ويعطلونها عن ذكر الله

9-هم الذين يعطلون الجهاد ولا يفرضون الجزية على الكافرين

10-هم الذين يمتنعون عن تطبيق شريعة الله كليا او جزئيا

11-هم الذين يقفون حجر عثرة في طريق الاسلام والمجاهدين
صفات جند  الرحمن
1-هم الذين يقاتلون في سبيل الله ولإعلاء  كلمة الله ولتكون كلمة الذين كفروا هي السفلى 

2-هم الذين يدافعون عن أعراض المسلمين وحرمات المسلمين وأموال المسلمين

3-هم جند التوحيد وعساكر الإيمان فهم يملئون ثغور المسلمين حماية لدار الاسلام ودولة الاسلام

4- مدحهم الله تعالى بقوله:{الذين أمنوا يقتلون في سبيل الله}إن ولائهم  لله ولرسوله وللمؤمنين وبرائهم من كل عدو لله 

ولرسوله وللمؤمنين.

5- هم الذين لا يتخذون الكافرين أولياء حتى ولو كانوا أقرب قريب 

6-هم الذين يقاتلون الكافرين الأقرب فالأقرب فيقاتلون المرتدين ويقاتلون اليهود والنصارى 

7- وهم يسعون لفكاك أسرى المسلمين من أيدي اليهود والصليبين والطواغيت أجمعين ويجعلون حديث رسول الله نصب أعينهم :"فكوا العاني"

8- هم الذين يغضبون لحدود الله وشريعة الله ويغضبون لرسول الله..
وأخيرا نسأل الله أن ينتفع الناس بهذه الرسالة ,وأن يعذرونا أهل العلم على قلة بضاعتنا فنحن لسنا بمعصومين نخطئ ونصيب , فإن أخطأنا فمن أنفسنا والشيطان وإن أصبنا الحق فلله وحده الفضل والمنة. وسبحانك اللهم وبحمدك نشهد أن لا إله إلا أنت نستغفرك ونتوب إليك.                                  الثلاثاء 16 كانون ثاني 2007  26 \  ذو الحجة 1427 هـ
                                           أخوكم أبو دجانة الشامي   
                                     اللهم إجعلني في الفردوس الأعلى

ــــــــــــــــــــــــــــــــ
مراجع الكتاب
1_ الجامع لأحكام القرآن \ القرطبي المالكي
2_تفسير إبن كثير
3_الإصابة في تمييز الصحابة \ ترجمة حاطب بن أبي بلتعة\ لإبن حجر
4_ الدرر السنية
5_كتاب الجامع في طلب العلم الشريف\ سيد إمام
6_رسالة براءة الموحدين من عهود الطواغيت والمرتدين \ لأبي محمد المقدسي
7_كشف شبهات المجادلين عن عساكر الشرك وأنصار القوانيين \ للمقدسي
8_الكواشف الجلية في كفر الدولة السعودية \ للمقدسي
9_الأدلة الساطعة والبراهين الواضحة في تحريم العسكرية \ سلطان ين بجاد العتيبي
10_الأيات والأحاديث الغزيرة على كفر قوات درع الجزيرة \ أبو جندل الأزدي
11_نثر اللؤلؤ والياقوت لبيان حكم الشرع في أنصار وأعوان الطاغوت \

-------     الحمد لله رب العالمين  -----------    25 محرم  1433